150 - أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم حتى آمنا به .
أورده العسكري عن عائشة وقال في التمييز تبعا للمقاصد أورده الخطيب في السابق واللاحق وكذا السهيلي عن عائشة وقال في إسناده مجاهيل وقال ابن كثير إنه منكر جدا وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى ولكن ثبت في الصحيح ما يعارضه انتهى وأقول الترجمة المذكورة ليست بلفظ الحديث وإنما لفظه ما سيأتي وقوله ثبت في الصحيح ما يعارضه هو ما رواه مسلم عن أنس بلفظ إن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار فلما قفى دعاه فقال إن أبي وأباك في النار .
وكذا ما رواه مسلم أيضا وأبو داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلّم استأذن بالاستغفار لأمه فلم يؤذن له وقد وقع في كلام بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } ما لا يليق أخذا بظاهر ما في الصحيح المار ويمكن الجواب بأن ما في الصحيح كان أولا ثم أحياهما الله تعالى حتى آمنا به صلى الله عليه وسلّم [ صفحة 61 ] معجزة له وخصوصية لهما في نفع إيمانهما به بعد الموت على أن الصحيح عند الشافعية من الأقوال أن أهل الفترة ناجون وقد ألف كثير من العلماء في إسلامهما شكر الله سعيهم منهم الحافظ السخاوي فإنه قال في المقاصد وقد كتبت فيه جزءا والذي أراه الكف عن هذا إثباتا ونفيا وقال في الدرر أخرجه بعضهم بإسناد ضعيف وما أحسن قول حافظ الشام ابن ناصر الدين : .
حبا الله النبي مزيد الفضل ... على فضل وكان به رؤوفا .
فأحيا أمه وكذا أباه ... لإيمان به فضلا لطيفا .
فسلم فالقديم بذا قدير ... وإن كان الحديث به ضعيفا .
ومنهم الحافظ السيوطي فإنه ألف في ذلك مؤلفات عديدة منها مسالك الحنفا في إسلام والدي المصطفى وحاصل ما ذكره في ذلك ثلاثة مسالك : .
المسلك الأول أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقد أطبقت الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا وإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة كما نص عليه الشافعي وسائر الأصحاب بل قال بعضهم إنه يجب في قتله القصاص لكن الصحيح خلافه لأنه ليس بمسلم حقيقي وشرط القصاص المكافأة .
المسلك الثاني إنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وذهب إلى هذا المسلك طائفة منهم الإمام الرازي بل قالوا إن سائر آبائه صلى الله عليه وسلّم لهم هذا الحكم فليس فيهم كافر وأما آذر فليس بوالد إبراهيم بل عمه على الصحيح المسلك الثالث أن الله أحيا له أبويه صلى الله عليه وسلّم حتى آمنا به وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم منهم ابن شاهين والحافظ أبو بكر البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وغيرهم واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين والخطيب البغدادي والدارقطني وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة قالت حج [ صفحة 62 ] بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجة الوداع فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم فنزل فمكث عني طويلا ثم عاد إلي وهو فرح متبسم قلت له فقال ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحيها فأحياها فآمنت بي وردها الله وهذا الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ بل قيل إنه موضوع لكن الصواب ضعفه وأورده السهيلي في روضه بسند فيه مجهولون عن عائشة بلفظ أن الرسول صلى الله عليه وسلّم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له ثم آمنا به ثم أماتهما .
قال السهيلي بعد إيراده : والله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلّم أهل أن يختص بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته .
وقال القرطبي لا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الاستغفار فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا لما ذكر من الأخبار .
وقال العلامة ابن المنير المالكي في المقتفى في شرف المصطفى قد وقع لنبينا صلى الله عليه وسلّم إحياء الموتى نظير ما وقع لعيسى بن مريم إلى أن قال وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحيي له أبويه فأحياهما له فآمنا به وصدقاه وماتا مؤمنين .
وقال القرطبي فضائل النبي صلى الله عليه وسلّم لم تزل تتوالى وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنع عقلا ولا شرعا فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام يحي الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلّم أحيا الله على يديه جماعة من الموتى وإذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته وفضيلته صلى الله عليه وسلّم .
وقال ابن سيد الناس بعد ذكر قصة الإحياء : والأحاديث الواردة في التعذيب ذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه وأزلفه إلى ما خصه لديه من الكرامة حين القدوم فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له A بعد أن لم تكن وأن يكون الإحياء والإيمان متأخرين عن تلك الأحاديث فلا تعارض انتهى .
ثم قال السيوطي وقد سئلت أن أنظم هذه المسألة أبياتا أختم بها هذا التأليف فقلت : [ صفحة 63 ] .
إن الذي بعث النبي محمد ... نجى به الثقلين مما يجحف .
ولأمه وأبيه حكم شائع ... أبداه أهل العلم فيما صنفوا : .
فجماعة أجروهما مجرى الذي ... لم يأته خبر الدعاة المسعف .
والحكم فيمن لم تجئه دعوة ... أن لا عذاب عليه حكم يؤلف .
فبذاك قال الشافعية كلهم ... والأشعرية ما بهم متوقف .
وبسورة الإسراء فيها حجة ... وبنحو ذا في الذكر آي تعرف .
ولبعض أهل الفقه في تعليله ... معنى أرق من النسيم وألطف .
إذ هم على الفطر الذي ولدوا ولم ... يظهر عناد منهم وتخلف .
ونحا الإمام الفخر رازي الورى ... معنى به للسامعين تشنف .
قال : الأولى ولدوا النبي المصطفى ... كل على التوحيد إذ يتحفف .
من آدم لأبيه عبد الله ما ... فيهم أخو شرك ولا مستنكف .
فالمشركون كما بسورة توبة ... نجس وكلهم بطهر يوصف .
وبسورة الشعراء فيه تقلب ... في الساجدين فكلهم متحنف .
هذا كلام الشيخ فخر الدين في ... أسراره هطلت عليه الذرف .
فجزاه رب العرش خير جزائه ... وحباه جنات النعيم تزخرف .
فلقد تدين في زمان الجاهلية فرقة دين الهدى وتحنفوا .
زيد بن عمر وابن نوفل هكذا الصديق ما شرك عليه يعنف .
قد قرر السبكي بذاك مقالة ... للأشعري وما سواه مزيف .
إذ لم تزل عين الرضا منه على الصديق وهو بطول عمر أحنف .
عادت عليه صحبة الهادي فما ... في الجاهلية للضلالة يعرف .
فلأمه وأبوه أحرى سيما ... وارت من الآيات ما لا يوصف .
وجماعة ذهبوا إلى إحياءه ... أبويه حتى آمنا لا خوف .
وروى ابن شاهين حديثا مسندا ... في ذاك لكن الحديث مضعف .
هذي مسالك لو تفرد بعضها ... لكفى فكيف بها إذ تتألف [ صفحة 64 ] .
وبحسب من لا يرتضيها صمته ... أدبا ولكن أين من هو منصف .
صلى الإله على النبي محمد ... ما جدد الدين الحنيف محنف .
انتهى .
وقال الشهاب الخفاجي في آخر كتابه " المجالس " : لما قرأت ما قاله علماء الحديث في الخصائص النبوية .
أنه لا تلج النار جوفا فيه قطرة من فضلاته E فقال : من كان عندنا إذا كان هذا فكيف تعذب أرحام حملته ؟ فأعجبني كلامه ونظمته بقولي : .
لوالدي طه مقام علي ... في جنة الخلد ودار الثواب .
فقطرة من فضلات له ... في الجوف تنجي من أليم العقاب .
فكيف أرحام له قد غدت ... حاملة تصلى بنار العذاب ؟ .
انتهى