- قوله : وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه قلت : في صحة أنكحة الكفار أحاديث قال البيهقي في " المعرفة " ( 1 ) : استدل الشافعي على صحة أنكحة المشركين بحديث اليهوديين اللذين رجمهما النبي صلى الله عليه وسلّم على الزنا قال : لأن الناكح لو لم يحلها له لما جرى الإحصان عليهما انتهى . وحديث اليهوديين صحيح ثابت أخرجه البخاري ومسلم ( 2 ) من حديث ابن عمر وسيأتي في " الحدود " .
[ أحاديث مختلفة ] : .
- حديث آخر : أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه ( 3 ) عن محمد بن إسحاق عن داود ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : رد رسول الله صلى الله عليه وسلّم زينب على أبي العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا انتهى . وفي حديث الترمذي : بعد ست سنين وفي حديث ابن ماجه : بعد سنتين وروايتان عند أبي داود قال الترمذي : لا بأس بإسناده وسمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول : حديث ابن عباس هذا أجود إسنادا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عليه السلام ردها له بنكاح جديد ولكن لا يعرف وجه حديث ابن عباس ولعله جاء من داود بن حصين من قبل حفظه انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط مسلم انتهى . وحديث عمرو بن شعيب المذكور أخرجه الترمذي وابن ماجه عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلّم رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح جديد زاد الترمذي : ومهر جديد قال الترمذي : في إسناده مقال انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك " وسكت عنه ولفظه : قال : أسلمت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلّم قبل زوجها أبي العاص بسنة ثم أسلم أبو العاص فردها له النبي صلى الله عليه وسلّم بنكاح جديد انتهى . قال الخطابي : إن صح حديث ابن عباس فيحتمل أن تكون عدتها تطاولت - لاعتراض سبب - حتى بلغت المدة المذكورة وحديث عمرو بن شعيب ضعيف بالحجاج بن أرطاة فإنه معروف بالتدليس وحكي عن يحيى بن سعيد أنه قال : لم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب وقال عبد الحق في " أحكامه " : حديث ابن عباس فيه محمد بن إسحاق ( 4 ) ولا أعلم رواه معه إلا من هو دونه ثم نقل عن ابن عبد البر أنه قال : هو حديث منسوخ عند الجميع قال : لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها وأما حجاج بن أرطاة فلا يحتج بحديثه انتهى . وقال البيهقي في " المعرفة " : لو صح الحديثان لقلنا بحديث عمرو بن شعيب لأن فيه زيادة ولكن لم يثبته الحفاظ فتركناه وأخذنا بحديث ابن عباس قال : وادعى بعض من يسوى الأخبار على مذهبه ( 5 ) نسخ حديث ابن عباس بحديث عمرو بن شعيب وروى في ذلك عن الزهري وقتادة أن أبا العاص أخذ أسيرا يوم بدر فأتى به النبي صلى الله عليه وسلّم فرد عليه ابنته وكان قبل نزول الفرائض قال : وهذا منقطع لا يقوم به حجة والمعروف عند أهل المغازي أنه لم يسلم يوم بدر ( 6 ) وإنما أسلم بعد ما أخذت سرية زيد بن حارثة ما معه فأتى المدينة فأجارته زينب فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم جوارها ثم دخل عليها فقال لها : أي بنية أكرمي مثواه ولا يدن إليك فإنك لا تحلين له وكان هذا بعد نزول آية الامتحان في الهدنة ثم إنه رجع بما كان عنده من بضائع أهل مكة إلى مكة ثم أسلم وخرج إلى المدينة وإنما الذي في قصة بدر أنه عليه السلام لما أسره يوم بدر أطلقه وشرط عليه أن يرد إليه ابنته وكانت بمكة هذا هو المعروف عند أهل المغازي فإن قال : إن في حديث ابن عباس ردها عليه بعد ست سنين وفي رواية سنتين والعدة لا تبقى في الغالب هذه المدة قلنا : النكاح كان باقيا إلى وقت نزول الآية وذلك بعد صلح الحديبية وهي آية الممتحنة فلم يؤثر فيه إسلامها وبقاؤه على الكفر فلما نزلت الآية توقف نكاحها - والله أعلم - على انقضاء العدة ثم كان إسلام أبي العاص بعد ذلك بزمان يسير بحيث يمكن عدتها لم تنقض في الغالب ( 7 ) فيشبه أن يكون الرد بالنكاح الأول كان لأجل ذلك والله أعلم قال : وحكي عن بعض أكابرهم ( 8 ) في الجمع بين الحديثين بأن عبد الله بن عمرو علم بتحريم الله تعالى رجوع المؤمنات إلى الكفار فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد فقال : ردها عليه بنكاح جديد ولم يعلم ابن عباس بتحريم المؤمنات على الكفار حين علم برد زينب على أبي العاص فقال : ردها بالنكاح الأول لأنه لم يكن عنده بينهما فسخ نكاح قال : وهذا فيه سوء ظن بالصحابة ورواة الأخبار حيث نسبهم إلى رواية الحديث من غير سماعهم له بل بما عندهم من العلم معاذ الله انتهى .
- حديث آخر : رواه الشافعي ومن طريقه البيهقي : حدثنا يوسف بن خالد السمتي عن يحيى ابن أبي أنيسة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقتين وفي الإسلام تطليقة فألزمه الطلاق انتهى . قال البيهقي : ويوسف متروك ويحيى ضعيف انتهى .
- حديث آخر : رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا معن بن عيسى ثنا مالك بن أنس عن الزهري أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل حتى قدم اليمن فرحلت إليه امرأته باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ذلك انتهى . وروي بهذا الإسناد أن صفوان بن أمية أسلمت امرأته ( 9 ) ابنة الوليد بن المغيرة زمن الفتح فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلّم بينهما واستقرت عنده حتى أسلم صفوان وكان بين إسلامهما نحو من شهر مختصر .
- حديث آخر : أخرجه البيهقي في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن هشيم حدثني المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ما ولدني شيء من سفاح الجاهلية وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام " انتهى . وروى ابن الجوزي في " التحقيق " من طريق الواقدي حدثني محمد بن أخي الزهري عن عمه عن عروة عن عائشة مرفوعا : خرجت من نكاح غير سفاح قال في " التنفيح " : الواقدي متكلم فيه وفي الأول المديني وهو إن كان والد علي فهو ضعيف وكذا إن كان إبراهيم بن أبي يحيى وقال الطبراني : هو عندي فليح بن سليمان وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية وهو متكلم فيه انتهى .
قوله : لأن الإسلام يعلو ولا يعلى قلت : لم يذكره المصنف حديثا وهو حديث مرفوع وموقوف فالموقوف من قول ابن عباس ذكره البخاري في " صحيحه ( 10 ) - في الجنائز " تعليقا فقال : وقال ابن عباس : الإسلام يعلو ولا يعلى انتهى . والمرفوع روي من حديث عمر بن الخطاب ومن حديث عائذ بن عمرو المزني ومن حديث معاذ بن جبل .
[ أحاديث مختلفة ] : .
- فحديث عمر : رواه الطبراني في " معجمه الوسط " والبيهقي في " دلائل النبوة " ( 11 ) عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إن هذا الدين يعلو ولا يعلى " أخرجاه في حديث الضب الذي كلم النبي صلى الله عليه وسلّم .
- وأما حديث عائذ بن عمرو المزني : فأخرجه الدارقطني في " سننه " ( 12 ) عن عبد الله ابن حشرج عن أبيه عن عائذ بن عمرو المزني عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " الإسلام يعلو ولا يعلى " انتهى . قال الدارقطني : وعبد الله بن حشرج وأبوه مجهولان انتهى .
- وأما حديث معاذ : فرواه نهشل في " تاريخ واسط " حدثنا إسماعيل بن عيسى ثنا عمران ابن أبان ثنا شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله A : " الإيمان يعلو ولا يعلى " انتهى .
قوله : ولنا ما روى أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم تأمرهم الصحابة بتجديد الأنكحة قلت غريب .
_________ .
( 1 ) ومثله قال في " السنن " ص 190 - ج 7 في " باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم " .
( 2 ) عند البخاري في مواضع : منها في " الحدود - باب أحكام أهل الذمة " ص 1011 - ج 2 ، وعند مسلم في " الحدود " ص 69 - ج 2 .
( 3 ) عند الترمذي " باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما " ص 147 - ج 1 ، والمخرج تصرف في كلام الترمذي بعض تصرف وعند ابن ماجه " باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر " ص 146 ، وعند أبي داود " باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها " ص 304 - ج 1 ، وفي " المستدرك " من حديث ابن عباس : ص 200 - ج 2 .
( 4 ) ومحصل ما قال صاحب " الجوهر النقي " ص 188 - ج 7 ، قلت : في حديث ابن عباس أشياء : منها أن ابن إسحاق فيه كلام ومنها أن داود بن الحصين فيه لين قال ابن المديني : ما رواه عن عكرمة فهو منكر وقال أبو داود : أحاديثه عن عكرمة ذكر ذلك الذهبي في " الميزان " ثم قال : أخرجه الترمذي وقال : لا يعرف وجهه لعله جاءه من قبل حفظ داود بن الحصين وكيفما كان فخبر ابن عباس متروك لا يعمل به عند الجميع وحديث عبد الله بن عمرو في ردها بنكاح جديد تعضده الأصول وذكر في " الاستذكار " ردها بنكاح جديد ثم قال : وكذا قال الشعبي - مع علمه بالمغازي أنه لم يردها إليه إلا بنكاح جديد وتبين بهذا كله أن قول ابن عباس ردها إليه على النكاح الأول - إن صح - أراد به على مثل الصداق الأول وحديث عمرو بن شعيب عندنا صحيح وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه وهذا يقتضي أن الفرقة تقع بينهما بإسلامهما فكيف يخالف ابن عباس ما رواه عن النبي A في قصة زينب انتهى . وقال ابن الهمام في " الفتح " ص 511 - ج 2 : وأما أبو العاص فإنما ردها عليه رسول الله A بنكاح جديد روى ذلك الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما وهو مجمل قوله : ردها على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته كما يقال : ضربته على إساءته وقيل : قوله : ردها على النكاح الأول لم يحدث شيئا معناه على مثله لم يحدث زيادة في الصداق والحباء وهو تأويل حسن انتهى .
( 5 ) قال في " الجوهر النقي " ص 188 - ج 7 : وقال ابن حزم : أسلمت زينب أول ما بعث A بلا خلاف ثم هاجرت وبين إسلامها وإسلام زوجها أزيد من ثمان عشرة سنة وولدت في خلال ذلك ابنها عليا فأين العدة ؟ وذكر صاحب " التمهيد " حديث ابن عباس ثم قال : إن صح فهو متروك منسوخ عند الجميع ويدل على أنه منسوخ إجماع العلماء على أن أبا العاص كان كافرا وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة كافر قال الشعبي : ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم فيأبى زوجها الاسلام حتى تنقضي عدتها أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى العمل بحديث عمرو بن شعيب وأن أحد الحربيين إذا أسلم وخرج إلينا وبقي الآخر بدار الحرب وقعت الفرقة باختلاف الدارين لقوله تعالى : { فلا ترجعوهن إلى الكفار } فلو كانت الزوجية باقية كما يقوله الشافعي كان هو أحق بها وقال تعالى : { لا هن حل لهم } الآية وقال تعالى : { وآتوهم ما أنفقوا } فأمر برد المهر على الزوج فلو كانت الزوجية باقية لما استحق البضع وبدله وقال تعالى : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } ولو كان النكاح الأول باقيا لما جاز أن تتزوج وقال تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } قال ابن عطية : رأيت لأبي علي الفارسي أنه قال : سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } : إنه في الرجال والنساء فقلت له : النحويون لا يرون هذا إلا في النساء لأن - كوافر - جمع كافرة فقال : وأيش يمنع هذا ؟ أليس الناس يقولون : طائفة كافرة وفرقة كافرة فبهت وقلت : هذا تأييد انتهى .
وبالجملة عند أبي حنيفة أن الحربية إذا أسلمت وهاجرت ولم يسلم زوجها تبين باختلاف الدارين ومعنى الاختلاف أن يكون أحدهما من أهل دارنا إما بإسلام أو ذمة والآخر حربيا من أهل دارهم حتى لو دخل مسلم دارهم بأمان أو دخل حربي دارنا أو أسلما ثمة ثم خرج أحدهما إلينا فلا فرقة انتهى .
فائدة مهمة : قال ابن الهمام في " الفتح " ص 512 - ج 2 : واعلم أن بنات رسول الله A لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر ليقال : آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة فقد اتفق علماء المسلمين أن الله تعالى لم يبعث نبيا قط أشرك بالله طرفة عين والولد يتبع المؤمن من الأبوين فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة نعم قبل البعثة كان الاسلام اتباع ملة إبراهيم حنيفا ومن حين وقعت البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة ومن أول ذكره A لأولاده لم تتوقف واحدة منهن ثم قال ابن الهمام ص 510 - ج 2 : وتباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع وبين زينب بنت رسول الله A أظهر وأشهر فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه ثم جاء وأسلم بعد سنتين وقيل : ثلاث وقيل : ثمان فردها عليه بالنكاح الأول انتهى .
( يتبع ... )