- حديث آخر : رواه أحمد أيضا حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدي انتهى . قال في " التنقيح " : رواته ثقات قال ابن الجوزي في " التحقيق " : قالت الخصوم : فقد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر لأنكم رويتم في الأوائل أنه تمتع وفي الأواخر أنه تندم كيف ساق الهدي ولم يمكنه أن يفسخ وأنتم بين أمرين : إما أن تصححوا الأوائل فيبطل مذهبكم في فسخ الحج إلى العمرة أو تصححوا الأواخر فيبطل احتجاجكم بأن الرسول تمتع ثم نتكلم على أحاديثكم فنقول : الأوائل معارضة بالأواخر فأما الأواخر : فإنه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التمتع بل لأمر آخر وهو ما رويتم من حديث ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فأمر بفسخ الحج إلى العمرة ليخالف المشركين واستدلوا عليه بما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه قلت : يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل لنا خاصة وإنما أخرجه مسلم في " صحيحه " عن أبي ذر قال : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة قال ابن الجوزي : الجواب أنه إذا صحت الأحاديث فلا ينبغي ردها وإنما يتمحل لها والوجه في الجمع بين الأحاديث أنه كان قد اعتمر وتحلل من العمرة ثم أحرم بالحج وساق الهدي ثم أمر أصحابه بالفسخ ليفعلوا مثل فعله لأنهم لم يكونوا أحرموا بعمرة ومنعه من فسخ الحج إلى عمرة ثانية عمرته الأولى وسوقه الهدي فعلى هذا تتفق الأحاديث ولا يرد منها شيء فإن قالوا : كيف يصح هذا التأويل وإنما علل بسوق الهدي لا بفعل عمرة متقدمة ؟ قلنا : ذكر إحدى العلتين دون الأخرى وذلك جائز وقولهم : إنما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهلية قلنا : لو كان كذلك لم يفرق بين من ساق الهدي ومن لم يسقه ثم إنه اعتمر في أشهر الحج ففي " الصحيحين " عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي مع حجته ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه والمشركين أن العمرة تجوز في أشهر الحج فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحج المحترم كذلك وإنما فعل ذلك لأنه الأفضل .
- وأما حديث ابن عباس : فإنه لم يرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعل لأجل ما كان المشركون يعتمدونه وإنما ذكر حال الجاهلية .
- وأما حديث الحارث بن بلال : فقال أحمد : هو حديث لا يثبت ولا أقول به والحارث بن بلال لا يعرف ولو عرف فأين يقع من أحد عشر رجلا من الصحابة يرون الفسخ ولا يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وأبو موسى الأشعري يفتى به في خلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر .
- وأما حديث أبي ذر : فموقوف عليه وقد خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما ثم إنه ظن من أبي ذر يدل عليه حديث ابن عباس : أن العمرة قد دخلت في الحج وفي حديث جابر أن سراقة قال : ألعامنا أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد يريد أن حكم الفسخ باق على الأبد وقد قيل : إن وجوب الفسخ كان خاصا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وأما غيرهم فلا يجب عليه بل يجوز له انتهى كلامه . قال صاحب " التنقيح " C : وما جمع به المؤلف بين الأحاديث بأن النبي عليه السلام قد اعتمر وتحلل من العمرة ثم أحرم بالحج وساق الهدي فضعيف جدا وكذلك قول من قال : إنه أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة فكذلك قول من قال : إنه أفرد ثم لما فرغ منه اعتمر ضعيف أيضا لأن أحدا لم يعتمر معه بعد الحج إلا عائشة Bها وكذلك قول من قال : إنه أحرم بالعمرة أولا وساق الهدي ثم أدخل عليها الحج ولم يتحلل لأجل الهدي ضعيف أيضا وإن كان أقرب من غيره وكذلك قول من قال : إنه كان قارنا وطاف طوافين وسعى سعيين وقد ذكرنا ضعف هذه الأقوال في غير هذا الموضع والصواب أنه عليه السلام كان قارنا أحرم بالحج والعمرة جميعا وطاف لهما طوافا واحدا وسعى سعيا واحدا وقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب سمعت النبي عليه السلام وهو بوادي العقيق يقول : " أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة " وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه وهو ذو الحليفة انتهى كلامه .
- قوله : والمقصود بما روى نفي قول أهل الجاهلية : إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور قلت : يعني بما روى الشافعي من حديث : القران رخصة وقول الجاهلية تقدم عند البخاري ومسلم ( 23 ) عن طاوس عن ابن عباس قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون : إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي عليه السلام صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : الحل كله انتهى . ورجح الحازمي في " كتاب الناسخ والمنسوخ " ( 24 ) أنه عليه السلام كان مفردا بوجهين : أحدهما : حديث جابر الطويل قال : فإنه أحسن سياقا وأبلغ استقصاء وغيره لم يضبط ضبطه والثاني : أن أحد الروايتين كان أقرب مكانا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإن أنسا روى أنه عليه السلام قرن وابن عمر روى أنه أفرد وقال في حديثه : كنت تحت جران ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولعابها بين كتفي فحديثه أولى بالتقديم وقال ابن سعد في " الطبقات ( 25 ) - في باب حجة الوداع " : وقد اختلف علينا فيما أهل به النبي عليه السلام فأهل المدينة يقولون : إنه أهل بالحج مفردا وفي رواية غيرهم أنه قرن مع حجه عمرة وقال بعضهم : دخل مكة متمتعا بعمرة ثم أضاف إليها حجة وفي كل رواية انتهى .
_________ .
( 1 ) عند الطحاوي في " باب إحرام النبي صلى الله عليه وسلّم أكان قرانا أم أجاز تمتعا " ص 379 - ج 1 .
( 2 ) عند البخاري : ص 232 ، وعند مسلم عن يحيى بن أبي إسحاق وحميد الطويل وعبد العزيز بن صهيب : ص 408 .
( 3 ) عند البخاري في " باب أن العقيق واد مبارك " ص 207 ، واللفظ الآخر في " المزارعة - في باب بعد باب من أحيا أرضا مواتا " ص 314 - ج 1 .
( 4 ) عند البخاري في مواضع لكن اللفظ في " المغازي - في باب غزوة الحديبية " ص 597 ، وعند مسلم : ص 409 .
( 5 ) عند أبي داود في " باب العمرة " ص 273 ، وعند الترمذي في " باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلّم " ص 113 .
( 6 ) عند الترمذي في " باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلّم " ص 113 .
( 7 ) عند ابن ماجه في " باب من قرن الحج والعمرة " ص 219 .
( 8 ) أبي داود في " باب العمرة " ص 273 .
( 9 ) عند البخاري في " باب التمتع والاقران " الخ ص 212 - ج 1 ، وعند مسلم : ص 389 .
( 10 ) عند مسلم : ص 404 .
( 11 ) عند الدارقطني : ص 263 .
( 12 ) عند مسلم : ص 392 .
( 13 ) عند مسلم : ص 403 .
( 14 ) عند مسلم : ص 402 ، وعند البخاري : ص 213 - ج 1 .
( 15 ) عند مسلم : 402 - ج 1 .
( 16 ) حديث ابن عباس عند الترمذي في " باب ما جاء في التمتع " ص 114 - ج 1 إلى قوله : وأول من نهى عنه معاوية .
( 17 ) عند البخاري في " باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم كإهلاله " ص 211 - ج 1 ، وعند مسلم : ص 401 - ج 1 .
( 18 ) في - نسخة الدار - " وفلته " [ البجنوري ] .
( 19 ) عند مسلم : ص 404 .
( 20 ) عند مسلم : ص 391 .
( 21 ) عند مسلم : ص 408 .
( 22 ) عند النسائي في " باب كيف يفعل من أهل بالحج والعمرة " ص 36 - ج 2 .
( 23 ) عند مسلم : ص 406 ، وعند البخاري في " باب التمتع والاقران " ص 212 .
( 24 ) الوجه الأول هو التاسع من وجوه الترجيح : ص 11 ، والثاني هو العاشر من وجوه الترجيح : ص 12 .
( 25 ) عند ابن سعد في " حجة الوداع " ص 124 في القسم الأول من الجزء الثاني