- الحديث الرابع عشر : روى أن أعرابيا أتى النبي عليه السلام فقال : .
- يا رسول الله هلكت وأهلكت فقال : " ماذا صنعت ؟ قال : واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا فقال : أعتق رقبة قال : لا أملك إلا رقبتي هذه قال : فصم شهرين متتابعين فقال : وهل جاءني ما جاءني إلا من الصوم فقال : أطعم ستين مسكينا فقال : لا أجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأن يؤتى بفرق من تمر - ويروى بفرق فيه خمسة عشر صاعا - وقال : فرقها على المساكين فقال : والله ليس بين لابتي المدينة أحد أحوج مني ومن عيالي فقال : كل أنت وعيالك يجزئك ولا يجزئ أحدا بعدك " .
قلت : أخرج أصحاب الكتب الستة ( 1 ) عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال : أتى رجل النبي عليه السلام فقال : هلكت قال : " ما شأنك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان قال : فهل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا قال : اجلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم بفرق فيه تمر فقال : تصدق به فقال : يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى بدت ثناياه ( 2 ) - وفي لفظ : أنيابه وفي لفظ : نواجذه - ثم قال : خذه فأطعمه أهلك " انتهى . وفي لفظ لمسلم : " وطئت امرأتي في رمضان نهارا " وعند مالك في " الموطأ " ( 3 ) : " أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان " وفي لفظ لأبي داود : زاد الزهري : وإنما كان هذا رخصة له خاصة ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير وفي لفظ في " الصحيحين " ( 4 ) : احترقت موضع هلكت وفيهما ما يدل لجمهور العلماء على أنه في العامد لأن الناسي غير هالك ولا محترق على أنه جاء في رواية مرسلة التصريح بالعمد أخرجه الدارقطني في " كتاب العلل " ( 5 ) عن سعيد ابن المسيب : أن رجلا أتى النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله أفطرت في رمضان متعمدا الحديث . ويؤيده ما رواه مالك في " الموطأ " ( 6 ) عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال : أتى أعرابي إلى النبي عليه السلام ينتف شعره ويضرب فخذه ويقول : هلك الأبعد فذكره وهو من مراسيل سعيد ورواه الدارقطني ( 7 ) في " كتاب العلل " مسندا ( 8 ) من حديث أبي هريرة فقال : حدثنا عبد الملك بن أحمد حدثنا يعقوب الدورقي حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة : أن أعرابيا جاء يلطم وجهه وينتف شعره الحديث . وفي الكتاب : هلكت وأهلكت وليس في الكتب الستة : إلا هلكت فقط قال الخطابي : وروى في بعض طرقه هلكت وأهلكت واستدل بها بعضهم على مشاركة المرأة إياه في الجناية قال : وهذه اللفظة غير محفوظة وأصحاب سفيان لم يرووها عنه إنما ذكروا قوله : هلكت فقط غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه وهو غير محفوظ والمعلى ليس بذلك القوي في الحفظ والإتقان انتهى . قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي ثور حدثنا معلى بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال : جاء أعرابي إلى النبي عليه السلام فقال : هلكت وأهلكت الحديث . ثم قال : تفرد به أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله : وأهلكت الحديث . ثم قال : تفرد به أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله : وأهلكت وهم ثقات انتهى . وأخرجه البيهقي في " سننه " عن جماعة عن الأوزاعي عن الزهري به وفيه : هلكت وأهلكت قال البيهقي : ضعف شيخنا أبو عبد الله الحاكم هذه اللفظة : وأهلكت وقال : إنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني فقد رواه أبو علي الحافظ عن محمد بن المسيب بالإسناد دون هذه اللفظة ورواه كافة أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي دونها ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري وكان شيخنا أبو عبد الله يستدل على كونها في تلك الرواية أيضا خطأ بأنه نظر ( 9 ) في " كتاب الصوم " تصنيف المعلى بن منصور فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة وأن كافة أصحاب سفيان رووه دونها انتهى . وقال المنذري في " حواشيه " : وقول الزهري : إنما كان هذا رخصة له خاصة دعوى لم يقم له عليها برهان وقال غيره : إنه منسوخ وهو أيضا دعوى انتهى .
وقوله في الكتاب : تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك لم أجده في شيء من طرق الحديث ولا رواية : الفرق بالفاء والفرق : هو الزنبيل قيل : يسع خمسة عشر صاعا .
واعلم أن الحديث ورد في " الصوم " أخرجه أبو داود ( 10 ) عن هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فذكره إلى أن قال : فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وقال : كله أنت وأهل بيتك وصم يوما واستغفر الله قال ابن القطان : وعلة هذا الحديث ضعف هشام بن سعد انتهى . وقال عبد الحق في " أحكامه " : طرق مسلم في هذا الحديث أصح وأشهر وليس فيها : صم يوما ولا مكتلة التمر ( 11 ) ولا الاستغفار وإنما يصح القضاء مرسلا انتهى كلامه . وهذا المرسل في " موطأ مالك " عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب قال : جاء أعرابي فذكره وفي آخره : فقال له عليه السلام : كله وصم يوما مكان ما أصبت مختصر . وزاد الدارقطني ( 12 ) في هذا الحديث : فقد كفر الله عنك وكأن الشافعي لم تقع له هذه الرواية فإن البيهقي نقل عنه في " المعرفة " أنه قال : يحتمل أن الكفارة دين عليه متى قدر عليها أو شيء منها والله أعلم .
_________ .
( 1 ) البخاري في " الصوم - في باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء " ص 259 ، ومسلم : ص 355 ، وأبو داود : ص 333 ، والترمذي في " باب كفارة الفطر في رمضان " ص 90 ، وابن ماجه في " باب كفارة من أفطر يوما من رمضان " ص 121 .
( 2 ) حتى بدت ثناياه عند أبي داود وأنيابه عند البخاري ومسلم ونواجذه عند البخاري : ص 899 ، و ص 993 .
( 3 ) " الموطأ " ص 90 في حديث سعيد بن المسيب .
( 4 ) قلت : هذا اللفظ في البخاري - في كتاب المحاربين - في باب من أصاب ذنبا دون الحد " ص 1007 ، وفي مسلم في " الصيام " ص 355 ، في حديث عائشة ولم أجد في شيء منهما في حديث أبي هريرة وحديث عائشة فيهما مع حديث أبي هريرة في باب واحد فلعل البصر طغى أو أراد حديث عائشة كما في حديث " الموطأ " ذكر لفظ حديث ابن المسيب وهو بصدد حديث أبي هريرة والله أعلم .
( 5 ) قلت : أخرج الدارقطني في " سننه " ص 251 عن سعد بن أبي وقاص قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : أفطرت يوما في شهر رمضان متعمدا الحديث وفيه : محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف لكن تابعه أبو أويس قال الهيثمي في " الزوائد " ص 168 - ج 3 : رواه البزار وفيه الواقدي وفيه كلام كثير وقد وثق اه وقال الهيثمي : عن ابن عمر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : إني أفطرت يوما من رمضان قال : من غير عذر ولا سفر ؟ الحديث رواه الطبراني وأبو يعلى وفي " الأوسط - والكبير " ورجاله ثقات اه . وقال : عن أبي هريرة : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : إني أفطرت يوما من رمضان متعمدا ووقعت على أهلي فيه الحديث . قال : رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس اه .
( 6 ) " الموطأ " ص 90 ، وعند البيهقي : ص 227 - ج 4 ، وفي : ص 225 - ج 4 عن غيره وفي : ص 226 أيضا .
( 7 ) والبيهقي في " السنن " ص 226 - ج 4 عن سعيد بن أبي مريم أنبأنا الجبار بن عمر عن ابن شهاب به بمعناه وعن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن سعد عن الزهري به بمعناه وأحمد في " مسنده ص 208 - ج 2 عن الحجاج باسناده ورواه أحمد : ص 516 - ج 2 ، قال : حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أعرابيا جاء يلطم وجهه وينتف شعره الحديث فليراجع وظنى أن محمدا في إسناد أحمد مصحف والله أعلم .
( 8 ) بإسناد جيد " تلخيص " ص 195 .
( 9 ) قال في " الجوهر " أبو ثور فقيه معروف جليل المقدار أخرج عنه مسلم في " صحيحه " فلا يترك روايته لسقوطها في حظ رجل مجهول وقد تأيدت روايته بالطريق الذي ذكره البيهقي أولا وربما أخرجه ابن الجوزي في " التحقيق " من طريق الدارقطني حدثنا النيسابوري حدثنا محمد بن عزيز حدثني سلامة بن روح عن عقيل عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة فذكر الحديث وفيه هلكت وأهلكت وسلامة هذا أخرج له ابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " وقال ابن حبان : مستقيم وذكر البيهقي في " الخلافيات " أن ابن خزيمة رواه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : أهلكت يا رسول الله هكذا بإثبات الألف .
( 10 ) أبو داود : ص 332 ، والدارقطني : ص 252 .
( 11 ) في نسخة - الدار - " وليس فيها صوم ولا مكيلة التمر " " البجنوري " .
( 12 ) الدارقطني : ص 251 من حديث علي وكذا في " التلخيص " ص 196 ، وضعف إسناده