- الحديث الرابع : قال عليه السلام : .
- " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما " قلت : أخرجه البخاري ومسلم ( 1 ) عن أبي هريرة واللفظ للبخاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " انتهى . وفي لفظ لهما : فعدوا ثلاثين وفي لفظ : فأكملوا العدة وفي لفظ : فصوموا ثلاثين يوما والمصنف C احتج بهذا الحديث على أن اليوم الثلاثين من شعبان يوم شك إذا غم هلال رمضان وأنه لا يجوز صومه إلا تطوعا قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وأصح الروايتين عن أحمد Bه أنه يجب صومه بنية من رمضان ولا يسمى يوم شك قال : ويوم الشك فسره أحمد بأن يتقاعد الناس عن طلب الهلال أو يشهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين Bهم واستدل لأصحابنا ومن قال بقولهم بأربعة أحاديث : أحدها : حديث البخاري المتقدم : " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " ثم أجاب عنه بأن الإسماعيلي قال في " صحيحه " الذي خرجه على البخاري : تفرد به البخاري عن آدم عن شعبة فقال فيه : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما وقد رويناه عن غندر وعبد الرحمن بن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ويزيد بن هارون كلهم عن شعبة لم يذكر أحدا منهم : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما وإنما قالوا فيه : فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين قال الإسماعيلي : فيجوز أن يكون آدم رواه على التفسير من عنده وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا اللفظ من بين من رواه عنه وجه قال ابن الجوزي C : فعلى هذا يكون المعنى : فإن غم عليكم رمضان فعدوا ثلاثين ولا يصير لهم فيه حجة على أن أصحابنا يؤولون ما انفرد به البخاري من ذكر شعبان فقالوا : نحمله على ما إذا غم هلال رمضان وهلال شوال فإنا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطا للصوم فإنا وإن كنا قد صمنا يوم الثلاثين من شعبان فلسنا نقطع بأنه من رمضان ولكنا صمناه حكما قال : ويدل على ما قلناه شيئان : أحدهما : عود الضمير على أقرب مذكور وهو قوله : وأفطروا لرؤيته . الثاني : أن مسلما رواه مفسرا : إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما انتهى كلامه . قال صاحب " التنقيح " : وما ذكره الإسماعيلي من أن آدم بن أبي إياس يجوز أن يكون رواه على التفسير من عنده للخبر فغير قادح في صحة الحديث لأن النبي عليه السلام إما أن يكون قال اللفظين وهو ظاهر اللفظ وإما أن يكون قال أحدهما وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى فإن اللام في قوله : فأكملوا العدة للعهد - أي عدة الشهر - والنبي عليه السلام لم يخص بالإكمال شهرا دون شهر إذا غم فلا فرق بين شعبان وغيره إذ لو كان شعبان غير مراد من هذا الإكمال لبينه لأن ذكر الإكمال عقيب قوله : صوموا وأفطروا فشعبان وغيره مراد من قوله : فأكملوا العدة فلا تكون رواية : فأكملوا عدة شعبان مخالفة لرواية : فأكملوا العدة بل مبينة لها . أحدهما : أطلق لفظا يقتضي العموم في الشهر والثاني : ذكر فردا من الأفراد قال : ويشهد له حديث أخرجه أبو داود والترمذي ( 2 ) عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا : لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ورواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحهما " ورواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 3 ) حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ( 4 ) : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة فأكملوا شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان . قال : وبالجملة فهذا الحديث نص في المسألة وهو صحيح كما قال الترمذي وسماك وثقه أبو حاتم وابن معين وروى له مسلم في " صحيحه " قال : والذي دلت عليه الأحاديث في هذه المسألة وهو مقتضى القواعد : أن كل شهر غم أكمل ثلاثين سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما وعلى هذا يكون قوله : " فإن غم عليكم فأكملوا العدة " راجعا إلى الجملتين وهما قوله : صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة أي غم عليكم في صومكم أو فطركم هذا هو الظاهر من اللفظ وباقي الأحاديث تدل على ذلك كقوله : " فإن غم عليكم فأقدروا له " انتهى .
_________ .
( 1 ) البخاري في " باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم : إذا رأيتم الهلال " الخ : ص 256 ، ومسلم في " باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال " ص 348 .
( 2 ) أبو داود في " باب من قال : فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين " ص 325 ، والترمذي في " باب : إن الصوم لرؤية الهلال والافطار له " ص 87 ، والطحاوي : ص 253 ، وأحمد : ص 226 .
( 3 ) الطيالسي : ص 348 ، ومن طريقه البيهقي : ص 208 - ج 4 .
( 4 ) في نسخة - الدار - " عن عكرمة به " " البجنوري "