- الحديث الثامن : قال عليه السلام لمعاذ Bه : .
- " لا تأخذ من أوقاص البقر شيئا " قال المصنف : وفسروه - يعني الوقص - بما بين الأربعين إلى الستين .
قلت : روى الدارقطني ( 1 ) ثم البيهقي في " سننهما " والبزار في " مسنده " من حديث بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاوس عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيها بشيء وسأسأله إذا قدمت عليه فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم سأله فقال : " ليس فيها شيء " قال المسعودي : والأوقاص ما بين الثلاثين إلى الأربعين والأربعين إلى الستين انتهى . قال البزار : لا نعلم أحدا أسنده عن ابن عباس إلا بقية ( 2 ) عن المسعودي وقد رواه الحافظ عن الحكم عن طاوس مرسلا ولم يتابع بقية عن المسعودي على هذا أحد وقد رواه الحسن بن عمارة أيضا عن الحكم عن طاوس عن ابن عباس : والحسن بن عمارة متروك انتهى . وهذا السند الذي أشار إليه أخرجه الدارقطني في " سننه " والله أعلم .
- حديث آخر : أخرجه أحمد في " مسنده " ( 3 ) . والطبراني في " معجمه " من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقرمن كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة أتبعة ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة قال : وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها انتهى . قال صاحب " التنقيح في التحقيق " : هذا حديث فيه إرسال وسلمة بن أسامة ويحيى بن الحكم غير مشهورين ولم يذكرهما ابن أبي حاتم في " كتابه " انتهى . واعترض بعض العلماء على هذين الحديثين - أعني حديث بقية . وحديث يحيى بن الحكم - بأن معاذا لم يلق النبي عليه السلام بعد رجوعه من اليمن بل توفي عليه السلام قبل قدوم معاذ من اليمن قالوا : والصحيح ما رواه مالك Bه في " الموطأ " عن حميد بن قيس عن طاوس أن معاذا أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال : لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا حتى ألقاه وأسأله فتوفي النبي عليه السلام قبل أن يقدم معاذ انتهى . وأعل هذا بالانقطاع قال عبد الحق في " أحكامه " : طاوس لم يدرك معاذا انتهى . وعن مالك Bه رواه الشافعي ( 4 ) في " سننه " بسنده ومتنه قال الشافعي Bه : وأخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس أن معاذ بن جبل أتى بوقص البقر فقال : لم يأمر النبي عليه السلام فيه بشيء قال الشافعي Bه : وهو ما لم يبلغ الفريضة انتهى . قلت : ويدل على صحة ذلك حديث أخرجه الحاكم في " المستدرك ( 5 ) - في كتاب الفضائل " عن ابن مسعود قال : كان معاذ بن جبل Bه شابا جميلا حليما سمحا من أفضل شباب قومه ولم يكن يمسك شيئا : ولم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فلزمه غرماؤه حتى تغيب عنهم أياما في بيته فاستأذنوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأرسل في طلبه فجاء ومعه غرماؤه فطلبوا حقهم فكلمهم النبي عليه السلام فيه فلو ترك أحد لأحد لترك معاذ من أجل النبي عليه السلام فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ماله ودفعه إليهم فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم وقام معاذ بغير شيء فانصرف إلى بني سلمة فمكث فيهم أياما ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلّم فبعثه إلى اليمن وقال له : لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك قال : فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل بها حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم رجع معاذ من اليمن فوافى عمر بن الخطاب Bه بمكة أميرا على الحج استعمله أبو بكر Bه التقيا يوم التروية بمنى فاعتنقا وعزى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم جلسا يتحدثان . فرأى عمر مع معاذ رقيقا فقال له : ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء أهدوا إلي وهؤلاء لأبي بكر فقال له عمر : إني أرى أن تأتي بكلهم إلى أبي بكر قال : نعم فلقيه معاذ من الغد فقال له : يا ابن الخطاب لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إلى النار وأنت آخذ بحجزتي وما أراني إلا مطيعك قال : فأتى بهم أبا بكر فقال : هؤلاء أهدوا إلي وهؤلاء لك فقال له أبو بكر : إنا قد سلمنا لك هديتك فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلون خلفه فقال لهم معاذ : لمن تصلون ؟ قالوا : لله قال : فأنتم لله فأعتقهم انتهى . قال الحاكم : حديث صحيح على شرط الشيخين وأخرج نحوه من حديث كعب بن مالك وقال فيه أيضا : على شرط الشيخين وأخرج نحوه عن جابر وسكت عنه .
- حديث آخر مرسل : رواه ابن سعد في " الطبقات ( 6 ) - في ترجمة معاذ " عن أبي وائل قال : استعمل النبي عليه السلام معاذا على اليمن فتوفي واستخلف أبو بكر . ومعاذ باق على اليمن الحديث .
- حديث مخالف لما تقدم : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ( 7 ) فقال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ( 8 ) حدثنا عثمان بن عمر حدثنا نهاس بن قهم حدثنا القاسم بن عوف الشيباني عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن صهيب أن معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي عليه السلام فقال له النبي عليه السلام : " يا معاذ : ما هذا ؟ قال : إني لما قدمت اليمن وجدت اليهود والنصارى يسجدون لعظمائهم وقالوا : هذه تحية الأنبياء فقال عليه السلام : كذبوا على أنبيائهم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " انتهى . فهذا فيه أن معاذا Bه رجع من اليمن قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم .
- أحاديث الباب : روى الطبراني في " معجمه " حدثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن رجل عن معاذ بن جبل عن النبي عليه السلام قال : " ليس في الأوقاص شيء " انتهى . ووقفه بن أبي شيبة في " مصنفه " ( 9 ) فقال : حدثنا عبد الله ابن إدريس عن ليث عن طاوس عن معاذ قال : ليس في الأوقاص شيء انتهى .
- حديث آخر : روى الدارقطني في كتابه " المؤتلف والمختلف " أخبرنا جعفر بن أحمد المؤذن - فيما أجازلنا - حدثنا السري بن يحيى أنبأ شعيب حدثنا سيف عن سهيل بن يوسف بن سهيل عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري قال : عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى عماله على اليمن في البقر : في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة وليس في الأوقاص شيء انتهى . قال الدارقطني : والأوقاص ما بين السنين اللذين يجب فيهما الزكاة انتهى .
- حديث آخر : روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال " ( 10 ) حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سلمة بن أسامة أن معاذ بن جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصدق أهل اليمن وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة أتبعة ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربع أتابيع قال : وأمرني رسول الله A أن لا آخذ مما بين ذلك شيئا وقال : إن الأوقاص لا فريضة فيها انتهى . قال أبو عبيدة : والأوقاص ما بين الفريضتين انتهى . ورواه أبو أحمد بن زنجويه في " كتاب الأموال " ( 11 ) حدثنا عبد الله حدثنا ابن لهيعة به إلا أنه قال : عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أن معاذا وزاد بعد قوله : من كل ثلاثين تبيعا قال : والتبيع جذع أو جذعة ( 12 ) قال ابن زنجويه : وهذا التفسير من كلامه عليه السلام .
قوله : وفسروه " يعني الوقص " بما بين الأربعين إلى الستين قلنا : قد قيل : إن المراد منها الصغار قلت : تقدم في الأحاديث المذكورة ما فيه كفاية والله أعلم .
_________ .
( 1 ) الدارقطني : ص 202 ، والبيهقي : ص 99 - ج 4 ، وابن حزم في " المحلى " ص 6 - ج 6 .
( 2 ) قال الحافظ في " التلخيص " ص 147 : لكن المسعودي اختلط وتفرد بوصله عنه بقية بن الوليد .
( 3 ) أحمد في " مسنده " ص 240 - ج 5 .
( 4 ) كتاب " الأم " ص 7 - ج 2 ، وأحمد : ص 231 - ج 5 ، و ص 230 ، وعن أبي كامل عن حماد بن زيد عن عمرو به وفي : ص 231 - ج 5 عن عبد الرزاق عن ابن جريج به .
( 5 ) هذا السياق الذي ذكره الحافظ المخرج لم أجده في " المستدرك " في مظانه فكأنه ملفق من حديثي كعب ابن مالك في : ص 273 ، أوله منه وآخره من حديث ابن مسعود في : ص 272 - ج 3 ، مع شيء يسير زاده فيه من حديث جابر بن عبد الله : ص 274 - ج 3 ، كلها في فضل معاذ وراجع " الطبقات " لابن سعد : ص 163 - ج 3 - القسم الثاني - .
( 6 ) ابن سعد في " الطبقات " ص 122 - ج 3 - القسم الثاني - .
( 7 ) وذكره الهيثمي في " الزوائد " ص 310 - ج 4 ، وقال : رواه البزار . والطبراني وفيه : النهاس بن قهم وهو ضعيف اه قلت : فيه شيء آخر وهو أن في رواية البزار . والطبراني في " الزوائد " : الشام بدل : اليمن وهو خلاف المقصود .
( 8 ) النرسي - منسوب إلى نرس وهو بالكوفة عليه عدة قرى .
( 9 ) ابن أبي شيبة : ص 13 - ج 3 .
( 10 ) " كتاب الأموال " ص 383 .
( 11 ) أبو أحمد بن زنجويه هو حميد بن زنجويه كذا في " التذكرة " ص 118 - ج 2 ، وهكذا سيأتي بعده في عدة مواضع .
( 12 ) قلت : هذه الزيادة عند أبي عبيد في حديث أبي الأسود أيضا