- الحديث الثالث والأربعون بعد المائة : روى أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الهجرة .
- عد نفسه بمكة من المسافرين قلت : يشهد له حديث أنس : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قيل : كم أقمتم بمكة ؟ قال : أقمنا بها عشرا انتهى . أخرجاه في " الصحيحين " وحديث ابن عباس : أنه عليه السلام أقام بمكة تسع عشرة يقصر الصلاة انتهى . أخرجه البخاري وحديث عمران بن حصين قال : غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلّم وشهدت الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول يا أهل مكة صلوا أربعا فإنا قوم سفر أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه وقد تقدمت هذه الأحاديث وأخرج البخاري . ومسلم ( 1 ) عن أبي جحيفة قال : أتينا النبي صلى الله عليه وسلّم وهو بالأبطح بمكة في قبة له حمراء من أدم فأتاه بلال بوضوئه قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلّم وعليه حلة حمراء فتوضأ وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا : " حي على الصلاة . حي على الفلاح " قال : ثم أركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار . والكلب لا يمنع ثم صلى العصر ركعتين ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة انتهى . وأخرج أبو يعلى الموصلي في " مسنده ( 2 ) " عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو عن جابر أن أبا هريرة قال : سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلّم . ومع أبي بكر . ومع عمر كلهم صلى حين خرج من المدينة إلى أن رجع إليها ركعتين في المسير وفي المقام بمكة انتهى .
- أحاديث القصر رخصة أو عزيمة : استدل أصحابنا على أنه عزيمة بأحاديث : منها حديث عائشة قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر انتهى . أخرجاه في " الصحيحين ( 3 ) " وفي لفظ : قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين فأتمها في الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى انتهى . زاد في لفظ : قال الزهري : فقلت لعروة : فما بال عائشة تتم في السفر ؟ قال : إنها تأولت كما تأول عثمان انتهى . وفي لفظ للبخاري : قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلّم ففرضت أربعا فتركت صلاة السفر على الأول انتهى . ذكره بعد المناقب في " باب من أين أرخوا التاريخ " وهذا الرواية ترد قول من قال : إن زيادة الصلاة في الحضر كانت قبل الهجرة وقد تقدم في أول الصلاة ( 4 ) انتهى . وأجاب الخصم بأنه رأي لا رواية وبأنه إشارة إلى المفروض الأول يدل عليه أن عائشة كانت تتم في السفر .
- حديث آخر : أخرجه مسلم في " صحيحه ( 5 ) " عن مجاهد عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة انتهى . ورواه الطبراني في " معجمه " بلفظ : افترض رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركعتين في السفر كما افترض في الحضر أربعا انتهى .
- حديث آخر : أخرجه النسائي ( 6 ) . وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال : صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلّم ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والستين من القسم الثالث ولم يقدحه بشيء ولكن اعترضه النسائي في " سننه ( 7 ) " بأن فيه انقطاعا فقال : وابن أبي ليلى لم يسمعه من عمر انتهى . وقوى ذلك بعضهم بأن ابن ماجه أخرجه في " سننه " عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر فذكره وأجيب عن ذلك بأن مسلما حكم في " مقدمة كتابه " بسماع ابن أبي ليلى من عمر فقال : وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطاب انتهى . ويؤيد ذلك ( 8 ) ما أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن الحنين بن واقد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب إلى مكة فاستقبلنا أمير مكة الحديث بل صرح بسماعه منه في بعض طرقه فقال : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت عمر بن الخطاب فذكره .
- حديث آخر : أخرجه النسائي ( 9 ) عن ابن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتانا ونحن ضلال فعلمنا فكان فيما علمنا أن الله D أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر انتهى . قال في " تنقيح التحقيق " : هكذا عزاه ابن تيمية في " المنتقى " للنسائي ولم أجد فيه في " قصر الصلاة " انتهى .
- حديث آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن بقية بن الوليد عن أبي يحيى المديني عن عمرو بن شعيب عن أبي سلمة عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " المتم للصلاة في السفر كالمقصر في الحضر " انتهى . واعترضه ابن الجوزي في " التحقيق " بأن بقية مدلس وشيخ الدارقطني فيه أحمد بن محمد بن المفلس وكان كذابا انتهى . قال في " التنقيح " : اشتبه عليه ابن المفلس هذا بآخر وهو أحمد بن محمد بن الصلت بن المفلس الخماني وهو كذاب وضاع قال : والحديث لا يصح فإن في رواته مجهول انتهى .
- أحاديث الخصوم : احتج الشافعي . وأحمد . ومالك في أحد قوليه على أنه رخصة بحديث أخرجه مسلم في " صحيحه ( 10 ) " عن يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فقد أمن الناس فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " انتهى . وفي لفظ لابن حبان في " صحيحه " : فاقبلوا رخصته ورواه أصحاب السنن الأربعة .
- حديث آخر : أخرجه أصحاب السنن الأربعة ( 11 ) عن عبد الله بن سوادة عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب وليس بالأنصاري قال : أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجدته يتغدى فقال : " أدن وكل فقلت : إني صائم فقال : إذن أخبرك عن الصوم إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل . والمرضع الصوم " فيالهف نفسي أن لا أكون طعمت من طعام رسول الله A قال الترمذي : حديث حسن ولا يعرف لأنس هذا عن النبي A غير هذا الحديث انتهى . ورواه أحمد في " مسنده " . والطبراني في " معجمه " .
- حديث آخر : أخرجه النسائي في " سننه ( 12 ) " عن العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة أنها اعتمرت مع رسول الله A من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت : يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - قصرت وأتممت وأفطرت وصمت قال : " أحسنت يا عائشة " وما عاب علي انتهى . والعلاء بن زهير قال فيه ابن حبان : يروى عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به كذا قال في " كتاب الضعفاء " وذكره في " كتاب الثقات " أيضا فتناقض كلامه فيه والله أعلم . وأخرجه الدارقطني ( 13 ) ثم البيهقي في " سننهما " عن العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ( 14 ) عن عائشة به ولفظهما قالت : خرجت مع رسول الله A في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت : بأبي وأمي أنت الحديث قال البيهقي : إسناده صحيح وذكر صاحب " التنقيح " أن هذا المتن منكر فإن النبي A لم يعتمر في رمضان قط انتهى .
قلت : أخرجه البخاري ومسلم ( 15 ) عن قتادة عن أنس قال : حج النبي A حجة واحدة واعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته انتهى . وقال النووي في " الخلاصة " : في هذا الحديث إشكال فإن المعروف أنه عليه السلام لم يعتمر إلا أربع عمر كلهن في ذي القعدة انتهى . وأخرجه الدارقطني أيضا بالسند الأول ومتنه ثم قال : وإسناده حسن متصل فإن عبد الرحمن أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق انتهى .
- حديث آخر : أخرجه الدارقطني ( 16 ) أيضا عن عمرو بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أن النبي A كان يقصر في الصوم ويتم ويفطر ويصوم انتهى . قال الدارقطني : إسناده صحيح انتهى . وقد رواه البيهقي عن طلحة بن عمر . ودلهم بن صالح . والمغيرة بن زياد وثلاثتهم ضعفاء عن عطاء عن عائشة قال : والصحيح عن عائشة موقوف ثم أخرجه كذلك عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تصلي في السفر فقلت لها : لو صليت ركعتين فقالت : يا ابن أخي إنه لا يشق علي انتهى . وهذا سند صحيح والله أعلم وقد يعارض هذا بحديث أخرجه البخاري . ومسلم ( 17 ) عن حفص بن عاصم عن ابن عمر قال : صحبت رسول الله A في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وقد قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } انتهى . قال عبد الحق : هكذا في هذه الرواية والصحيح أن عثمان أتم في آخر الأمر كما أخرجاه ( 18 ) من رواية نافع عنه ومن رواية ابنه سالم أنه عليه السلام صلى صلاة المسافر - بمنى : وغيره - ركعتين وأبو بكر . وعمر . وعثمان ركعتين صدرا من خلافته ثم أتمها أربعا انتهى .
- أحاديث الجمع بين الصلاتين في السفر : أخرج البخاري . ومسلم ( 19 ) عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله A إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فان زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب انتهى . وفي لفظ لهما ( 20 ) قال : كان رسول الله A إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بنيهما انتهى . وفي لفظ : أن النبي A كان إذا أعجل به السير يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حتى يغيب الشفق انتهى .
- حديث آخر : أخرجاه عن ابن عمر أن رسول الله A كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء انتهى . وفي لفظ : كان إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء انتهى . وفي لفظ لهما : جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق انتهى .
- حديث آخر : أخرجه مسلم ( 21 ) عن ابن عباس أن رسول الله A جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر . والعصر . والمغرب . والعشاء قال سعيد بن جبير : فقلت لابن عباس : ما حمله على ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته انتهى . زاد في رواية : بالمدينة من غير خوف ولا سفر قال أبو الزبير : فسألت سعيدا لم فعل ذلك ؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته وفي رواية : من غير خوف ولا مطر قال البيهقي ( 22 ) : رواية : من غير خوف ولا مطر رواها حبيب بن أبي ثابت وجمهور الرواة يقولون : من غير خوف ولا سفر وهو أولى أن يكون محفوظا انتهى .
- حديث آخر : أخرجه مسلم ( 23 ) عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل قال : جمع رسول الله A في غزوة تبوك بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر قال : قلت : فما حمله على ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته انتهى .
( يتبع ... )