- الحديث السبعون : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : .
- " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى " قلت : روى من حديث ابن مسعود ومن حديث أبي مسعود ومن حديث البراء بن عازب .
فأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم ( 1 ) وأبو داود . والترمذي . والنسائي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق " انتهى .
وأما حديث أبي مسعود فأخرجه مسلم ( 2 ) وأبو داود . والنسائي . وابن ماجه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " انتهى .
وأما حديث البراء بن عازب فرواه الحاكم في " المستدرك - في كتاب الفضائل " من حديث البراء بن عازب ( 3 ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتينا إذا أقيمت الصلاة فيمسح عواتقنا ويقول : " أقيموا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وليلني منكم أولو الأحلام والنهى " انتهى . وسكت عنه والمصنف استدل بهذا الحديث على قوله : ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء ولا ينهض ذلك إلا على تقديم الرجال فقط أو نوع من الرجال ويمكن أن يستدل بحديث أبي مالك الأشعري المتقدم في الحديث الذي قبل هذا الحديث وروى الحارث بن أسامة في " مسنده ( 4 ) " حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية ( 5 ) عن ليث عن شهر بن حوشب عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يصفهم في الصلاة فيجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان مختصر .
قوله : لأنها عرفت - مفسدة - بالنص ( 6 ) " يعني المرأة " وكأنه يشير الى حديث : أخروهن من حيث أخرهن الله وفيه مع ضعفه بعد .
- أحاديث المنفرد خلف الصف : أخرج أبو داود ( 7 ) والترمذي عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده . فأمره أن يعيد الصلاة انتهى . وأخرجه الترمذي أيضا ( 8 ) وابن ماجه عن حصين عن هلال بن يساف قال : أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي . ونحن بالرقة فقام بي على شيخ يقال له : وابصة فقال زياد : حدثني هذا الشيخ - والشيخ يسمع - : أن رجلا صلى فذكره وقال : حديث حسن قال : واختلف أهل العلم فقال بعضهم ( 9 ) : حديث عمرو بن مرة أصح وقال بعضهم : حديث حصين أصح وهو عندي أصح من حديث عمرو لأنه روي من غير وجه عن هلال عن زياد عن وابصة انتهى . وليس في حديث ابن ماجه : أخبرني هذا الشيخ فكأن هلالا رواه عن وابصة نفسه ورواه ابن حبان في " صحيحه " بالإسنادين المذكورين ثم قال : وهلال بن يساف سمعه من عمرو بن راشد . ومن زياد بن أبي الجعد عن وابصة . فالخبران محفوظان . وليس هذا الخبر مما تفرد به هلال بن يساف ثم أخرجه عن يزيد ( 10 ) بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن أبيه زياد بن أبي الجعد عن وابصة فذكره ورواه البزار في " مسنده " بالأسانيد الثلاثة المذكورة ثم قال : أما حديث عمرو بن راشد فإن عمرو بن راشد رجل لا يعلم حدث إلا بهذا الحديث وليس معروفا بالعدالة فلا يحتج بحديثه وأما حديث حصين فإن حصينا لم يكن بالحافظ فلا يحتج بحديثه في حكم وأما حديث يزيد بن زياد فلا نعلم أحدا من أهل العلم إلا وهو يضعف أخباره فلا يحتج بحديثه وقد روى عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة وهلال لم يسمع من وابصة فأمسكنا عن ذكره لإرساله انتهى . قال البيهقي : في " المعرفة " : وإنما لم يخرجاه صاحبا الصحيح لما وقع في إسناده من الاختلاف ثم ذكر هذه الأسانيد الثلاثة ( 11 ) .
- حديث آخر للخصم أخرجه ابن ماجه ( 12 ) عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي ابن شيبان عن أبيه قال : صلينا وراء النبي صلى الله عليه وسلّم فلما قضى الصلاة رأى رجلا فردا يصلي خلف الصف قال : فوقف عليه نبي الله حين انصرف ثم قال له : " استقبل صلاتك فإنه لا صلاة لمن صلى خلف الصف وحده " ورواه ابن حبان في " صحيحه " . والبزار في " مسنده " وقال : وعبد الله بن بدر ليس بالمعروف إنما حدث عنه ملازم بن عمرو . ومحمد بن جابر فأما ملازم فقد احتمل حديثه وإن لم يحتج به وأما محمد بن جابر فقد سكت الناس عن حديثه وعلي بن شيبان لم يحدث عنه إلا ابنه وابنه هذه صفته وإنما يرتفع جهالة المجهول إذا روى عنه ثقتان مشهوران فأما إذا روى عنه من لا يحتج بحديثه لم يكن ذلك الحديث حجة ولا ارتفعت جهالته انتهى .
- حديث آخر أخرجه البزار في " مسنده " عن النضر بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم نحو حديث ابن شيبان قال البزار : ولا يعلم رواه عن عكرمة إلا النضر وهو لين الحديث وقد روى أحاديث لا يتابع عليها وهو عند بعض أهل العلم ضعيف جدا فلا يحتج بحديثه وقد عارض هذه الأحاديث أخبار ثابتة دلت على جواز صلاة الذي يصلي خلف الصف وحده انتهى .
- حديث آخر مرسل : رواه أبو داود في " المراسيل " عن مقاتل بن حيان أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إن جاء رجل فلم يجد أحدا فليختلج إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج " انتهى . ورواه البيهقي ( 13 ) .
- الأحاديث الدالة على الجواز : أخرج البخاري في " صحيحه ( 14 ) " عن الحسن عن أبي بكرة أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلّم راكع فركع دون الصف ثم دب حتى انتهى الى الصف فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلّم من صلاته قال : " إني سمعت نفسا عاليا فأيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى الى الصف ؟ فقال أبو بكرة : أنا يا رسول الله خشيت أن تفوتني الركعة فركعت دون الصف ثم لحقت الصف فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : زادك الله حرصا ولا تعد " انتهى . وهذا يدل على أن أمره عليه السلام بالإعادة في حديث وابصة ليس على الإيجاب ولكن على الاستحباب وقوله في حديث أبي بكرة : " ولا تعد " إنما هو إرشاد له في المستقبل الى ما هو أفضل له ولو لم يكن مجزئا لأمره بالإعادة والنهي إنما وقع عن السرعة والعجلة الى الصلاة كأنه أحب له أن يدخل في الصف ولو فاتته الركعة ولا يعجل بالركوع دون الصف يدل عليه ما رواه البخاري فيه وفي " كتابه المفرد - في القراءة خلف الإمام " : " ولا تعد صل ما أدركت واقض ما سبقت " انتهى . فهذه الزيادة ( 15 ) دلت على ذلك ويقويها حديث : " فأتوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " وقيل : وقع على التأخر عن الصلاة ( 16 ) .
- حديث آخر : حديث أنس أخرجه البخاري . ومسلم وفيه : فصففت أنا . واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا ( 17 ) وأحكام الرجال . والنساء في ذلك سواء قال ابن حبان في " صحيحه " : وقد وهم بعض أئمتنا ( 18 ) أن العجوز لم تكن وحدها وإنما كان معها أخرى .
حديث أخبرنا به الحسين ( 19 ) فذكره بسنده عن أنس بن مالك ( 20 ) قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على بساط فأقامني عن يمينه وقامت أم سليم . وأم حرام خلفنا انتهى . قال : وليس كذلك لأنهما صلاتان في وقتين مختلفتين فتلك الصلاة كانت على حصير ( 21 ) وقام فيها أنس . واليتيم معه خلف المصطفى والعجوز وحدها وراءهم وهذه الصلاة كانت على بساط وقام فيها أنس عن يمين المصطفى وأم سليم وأم حرام خلفهما فكانتا صلاتين مختلفتين انتهى كلامه .
_________ .
( 1 ) مسلم في " تسوية الصفوف وإقامتها " ص 181 ، وأبو داود في " باب من يستحب أن يلي الإمام " ص 105 والترمذي في " باب ليلني منكم أولو الأحلام والنهى " ص 31 .
( 2 ) مسلم ص 181 ، وأبو داود : ص 105 ، والنسائي : ص 130 ، و ص 129 في " باب من يلي الإمام " وابن ماجه في " باب من يستجب أن يلي الإمام " ص 70 .
( 3 ) قال الحافظ في " الدراية " : أخرجه الحاكم من حديث البراء في أحدثناء الحديث اه .
( 4 ) وأحمد في " مسنده " ص 344 عن أبي النضر بإسناده سوى قوله : يصفهم في الصلاة وأبو داود في : ص 105 مختصرا .
( 5 ) في نسخة " معاذ " .
( 6 ) قال ابن حزم في " المحلى " ص 219 - ج 4 : أما منعهن عن إمامة الرجال فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخبر أن المرأة تقطع صلاة الرجل اه . وأشار به الى حديث أبي هريرة أخرجه مسلم في " سترة المصلي " ص 197 ، تقطع الصلاة : المرأة . والكلب . والحمار اه وبه استدل على المسألة في " المحلى " ص 9 - ج 4 ، والله أعلم .
( 7 ) في " باب الرجل يصلي وحده خلف الصف " ص 106 ، والترمذي في " باب الصلاة خلف الصف " ص 31 ، والطحاوي : ص 229 .
( 8 ) ص 31 ، وابن ماجه : ص 71 في " باب صلاة الرجل خلف الصف وحده " .
( 9 ) ومنهم أبو حاتم قال في " علله " ص 100 : عمرو بن مرة أحفظ اه .
( 10 ) حديث يزيد هذا أخرجه الدارمي : ص 152 ، وقال : قال أبو محمد : كان أحمد بن حنبل يثبت حديث عمرو بن مرة وأنا أذهب الى حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد اه .
( 11 ) ذكر البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة ص 104 - ج 3 أيضا .
( 12 ) في " باب صلاة الرجل خلف الصف وحده " ص 70 ، والطحاوي : ص 229 ، وأحمد : ص 23 - ج 4 ، والبيهقي : ص 105 - ج 3 ، و " المحلى " ص 53 - ج 4 ، وسياق المخرج ليس سياق أحد منهم .
( 13 ) ص 105 - ج 3 .
( 14 ) قلت : أما أصل الحديث فموجود في " البخاري " ص 108 - ج 1 ، وأما السياق فلا بل لم أر في أبي داود . ولا في الطحاوي . ولا في البيهقي . ومسند أحمد . والنسائي قوله : يا رسول الله إني خشيت أن تفوتني الركعة فركعت دون الصف ثم لحقت الصف اه . وتبع المؤلف ابن الهمام فأورده في " الفتح " ص 252 بسياق المؤلف وعزاه الى البخاري نعم أورد الحافظ ابن حجر في " الفتح " ص 222 - ج 2 عن الطبراني قال : خشيت أن تفوتني الركعة معك اه .
( 15 ) لم أجد هذه الزيادة أيضا في الصحيح والحديث في " الصحيح " ص 108 في موضع واحد فقط وليس فيه هذه الزيادة ولا التي تقدم ذكرها نعم ذكرها الحافظ معزوة الى الطبراني أيضا وهي عند مسلم : ص 220 - ج 1 ، والبيهقي : ص 298 - ج 2 " إذا ثوب الصلاة فلا يسعين إليها أحدكم ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار صل ما أدركت واقض ما سبقت " اه .
( 16 ) ويؤيده ما روى الحاكم في " المستدرك " ص 214 ، عن ابن الزبير أنه قال على المنبر : إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم ليدب راكعا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة اه . وصححه على شرطهما .
( 17 ) وفي البيهقي : ص 106 - ج 3 ، وأم سليم خلفنا اه .
( 18 ) قلت : لهذا البعض دليل من حديث صريح أخرجه النسائي في " باب إذا كانوا رجلين وامرأتين " ص 129 ، من حديث سفيان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : دخل علينا رسول الله A وما هو إلا أنا . وأمي . واليتيم . وأم حرام خالتي فقال : قوموا فلأصل بكم قال : في غير وقت الصلاة فصلى بنا اه . وهذا الحديث أخرجه أحمد في " مسنده " ص 217 - ج 3 عن سليمان عن ثابت عن أنس قال : صلى بنا رسول الله A وأنا معه . وأم سليم فجعلني عن يمينه وأم سليم من خلفنا اه . فلا مناص عما قال بعض الأئمة إلا أن يقال : إن هذه صلاة ثالثة سوى اللتين ذكرهما ابن حبان أو يقال في الأحاديث الثلاثة : صلاة واحدة في رواية منها ترك ذكر اليتيم . وفي رواية ذكر أم حرام كما ترك الراوي كليهما في رواية أحمد مع اتحاد مخرج حديث أحمد . والنسائي وهذا هو قول بعض الأئمة الذين زعم ابن حبان أنه وهم وإلى هذا يشير كلام النسائي حيث أخرج الحديث الذي يستدل به لابن حبان الذي فيه ذكر أنس . وأمه . وأم حرام فقط في " باب إذا كانوا رجلين وامرأتين " قلت : بل لحديث أنس هذا رواية أخرى ذكرها النسائي في " الباب الذي بعده " وفي رواية أحمد : ص 217 - ج 3 ، لم يذكر فيها : إلا المرأة . وأنس وكلتاهما من حديث شعبة بن عبد الله بن مختار عن موسى بن أنس عن أنس فبعد اتحاد المخرج يستبعد أن يقال : إنها واقعة رابعة فكما في هذه الرواية تركت أم حرام فيها من تصرف الرواة فليجعل ترك اليتيم فيما ليس فيه أيضا كذلك " فإن قلت : فما تقول في هذه الرواية في قوله : فجعل أنسا عن يمينه ؟ قلت : تقول : وجعل اليتيم عن يساره قال ابن القيم في " بدائع الفوائد " ص 90 - ج 4 : روى أنس : صليت خلف النبي A : أنا . ويتيم لنا . وأم سليم خلفنا يحتمل أن يكون كان بالغا ويحتمل أن يكونا صبيين أما إذا كان أحدهما بالغا فعلى حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة . والأسود وأحدهما غير بالغ فأقام أحدهما عن يمينه . والآخر عن يساره اه . تأمل فيه فإن قوله : في حديث الصحيح : أنا . واليتيم خلفه لا يستقيم حينئذ إلا بتأويل والله أعلم .
( 19 ) في نسخة " الحسن " .
( 20 ) قلت : وأخرجه أحمد : ص 160 - ج 3 عن أبي كامل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس قال : صلى بنا رسول الله A تطوعا : قال : فقامت أم سليم . وأم حرام خلفنا قال ثابت : لا أعلمه إلا قال : وأقامني عن يمينه فصلينا على بساط اه . ويؤيده ما عند النسائي : ص 129 في " باب إذا كانوا رجلين وامرأتين " من حديث موسى بن أنس عن أنس أنه كان هو ورسول الله A . وأمه . وخالته فصلى رسول الله A فجعل أنسا عن يمينه وأمه . وخالته خلفهما اه .
( 21 ) الاستدلال على تعدد الواقعة بلفظ : الحصير . والبساط غير صحيح فإن البساط في هذا الحديث هو الحصير قد صرح بذلك أنس قال : فيصلي على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء أخرجه أبو داود في " باب الصلاة على الحصير " ص 103