- الحديث السابع والستون : روى عن ابن مسعود .
- أنه أم اثنين فتوسطهما قلت : أخرجه مسلم في " صحيحه ( 1 ) " عن إبراهيم عن علقمة . والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال : أصلي من خلفكم ؟ قالا : نعم فقام بينهما فجعل أحدهما عن يمينه . والآخر عن شماله ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم انتهى . ورواه أبو داود في " سننه " لم يذكر فيه التطبيق ولفظه : قال : استأذن علقمة . والأسود على عبد الله فأذن لهما ثم قام فصلى بينهما ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعل قال المنذري في " مختصره " : قال أبو عمر بن عبد البر : هذا الحديث لا يصح رفعه والصحيح عندهم التوقيف على ابن مسعود أنه صلى كذلك بعلقمة . والأسود قال : وهذا الذي أشار إليه أبو عمرو قد أخرجه مسلم في " صحيحه " أن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسود وهو موقوف وقال بعضهم : إنه منسوخ لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلّم وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخرى هي الآن متروكة وهذا الحكم من جملتها ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة تركه انتهى كلامه وقال النووي في " الخلاصة " : الثابت في " صحيح مسلم " أن ابن مسعود فعل ذلك ولم يقل : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفعله ورواه أبو داود ( 2 ) مرفوعا بسند فيه هارون ابن عنترة وهو وإن وثقه أحمد . وابن معين فقد قال الدارقطني : هو متروك كان يكذب وهذا جرح مفسر فيقدم على التعديل ورواه البيهقي من طريق ابن إسحاق عن ابن الأسود به وابن إسحاق مشهور بالتدليس وقد عنعن والمدلس إذا عنعن لا يحتج به بالاتفاق انتهى كلامه .
قلت : كأنهما ذهلا فإن مسلما أخرجه من ثلاث طرق لم يرفعه في الأوليين ورفعه في الثالثة الى النبي صلى الله عليه وسلّم وقال فيه : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم والدليل عليه أن الترمذي قال في " جامعه " : وروى عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فقام بينهما قال : ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى ورواه البيهقي ( 3 ) وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : دخلت أنا . وعلقمة على ابن مسعود بالهاجرة فلما زالت الشمس أقام الصلاة فقمت أنا وصاحبي خلفه فأخذ بيدي وبيد صاحبي فجعلنا عن يمينه . ويساره وقام بيننا ( 4 ) وقال : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصنع إذا كانوا ثلاثة انتهى . وضعف بابن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس وأجيب عن حديث ابن مسعود هذا بثلاثة أجوبة أحدها : أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس الآتي ذكره عقيب هذا الحديث . الثاني : أنه كان لضيق المسجد رواه الطحاوي في " شرح الآثار ( 5 ) " بسنده عن ابن سيرين أنه قال : لا أرى ابن مسعود فعل ذلك إلا لضيق المسجد أو لعذر آخر لا على أنه من السنة انتهى . والثالث : ذكره البيهقي في " المعرفة " قال : وأما ما روى عن ابن مسعود فقد قال فيه ابن سيرين : إنه كان لضيق المسجد وقد قيل : إنه ( 6 ) رأى النبي صلى الله عليه وسلّم يصلي . وأبو ذر عن يمينه كل واحد يصلي لنفسه فقام ابن مسعود خلفهما فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلّم بشماله فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف ولم يعلم أنه لا يؤمهما وعلمه أبو ذر حتى قال فيما روى عنه : يصلي كل رجل منا لنفسه وذهب الجمهور الى ترجيح رواية غيره على روايته بكثرة العدد والقائلين به وبسلامته من الأحكام المنسوخة انتهى . وقال الحازمي في " كتابه الناسخ والمنسوخ ( 7 ) " : وحديث ابن مسعود منسوخ لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلّم وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخرى هي الآن متروكة وهذا الحكم من جملتها ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة تركه بدليل ما أخرجه مسلم ( 8 ) عن عبادة الوليد عن جابر قال : سرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة فقام يصلي قال : فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه انتهى . قال : وهذا دال على أن هذا الحكم هو الآخر لأن جابرا إنما شهد المشاهد التي كانت بعد بدر ثم في قيام ابن صخر عن يسار النبي A أيضا دلالة على أن الحكم الأول كان مشروعا وأن ابن صخر كان يستعمل الحكم الأول حتى منع منه وعرف الحكم الثاني .
_________ .
( 1 ) في " باب الندب الى وضع الأيدي على الركب في الركوع " ص 202 - ج 1 ، وأبو داود في " باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون " ص 97 .
( 2 ) في " باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون ص 96 ، والنسائي في " باب موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة " ص 28 .
( 3 ) في " السنن " ص 98 - ج 3 ، وأحمد : ص 459 - ج 1 والطحاوي : ص 181 .
( 4 ) وفي " مسند أحمد " بعده : فصففنا خلفه صفا واحدا فقال : هكذا كان رسول الله A يصنع إذا كانوا ثلاثة اه .
( 5 ) ص 181 ، والبيهقي في " السنن " ص 99 - ج 3 .
( 6 ) حديث أبي ذر هذا رواه أحمد في " مسنده " ص 170 - ج 5 .
( 7 ) الحازمي في " كتاب الاعتبار " ص 80 .
( 8 ) في " آخر الصحيح - في أحاديث متفرقة - في حديث جابر " ص 417 - ج 2 ، وأبو داود في " الصلاة - في باب إذا كان ثوبا ضيقا " ص 100 - ج 1