- الحديث السادس : قال عليه السلام : .
- " إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة " .
قلت : رواه أبو داود في " سننه ( 1 ) " من حديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي عن زياد بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عن علي أنه قال : السنة وضع الكف على الكف تحت السرة انتهى . والله أعلم أن هذا الحديث لا يوجد في غالب نسخ أبي داود وإنما وجدناه في النسخة التي هي من رواية ابن داسة ( 2 ) . ولذلك لم يعزه ابن عساكر في " الأطراف " إليه ولا ذكره المنذري في " مختصره " ولم يعزه ابن تيمية في " المنتقى ( 3 ) " إلا لمسند أحمد فقط . والنووي في " شرح مسلم " لم يعزه إلا للدارقطني . والبيهقي في " سننه " لم يروه إلا من جهة الدارقطني ولم أر من عزاه لأبي داود إلا عبد الحق في " أحكامه " ولم يتعقبه ابن القطان في " كتابه " من جهة العزو على عادته في ذلك وإنما تعقبه من جهة التضعيف فقال عبد الرحمن : ابن إسحاق هو ابن الحارث أبو شيبة الواسطي قال فيه ابن حنبل . وأبو حاتم : منكر الحديث وقال ابن معين : ليس بشيء وقال البخاري : فيه نظر وزياد بن زيد هذا لا يعرف وليس بالأعسم انتهى . ورواه أحمد في " مسنده ( 4 ) " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في " سننهما " قال البيهقي في " المعرفة " : لا يثبت إسناده تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو متروك انتهى . وقال النووي في " الخلاصة - وفي شرح مسلم " : هو حديث متفق على تضعيفه فإن عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف بالاتفاق ( 5 ) انتهى .
واعلم أن لفظة السنة يدخل في المرفوع عندهم قال ابن عبد البر في " التقصي " : واعلم أن الصحابي إذا أطلق اسم السنة فالمراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلّم وكذلك إذا أطلقها غيره ما لم يضف إلى صاحبها كقولهم : سنة العمرين وما أشبه ذلك انتهى كلامه .
- أحاديث الخصوم روى ابن خزيمة في " صحيحه ( 6 ) " من حديث وائل بن حجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره انتهى . لم يذكر النووي في الباب غيره في " الخلاصة " وكذلك الشيخ تقي الدين في " الإمام " .
- أحاديث وضع اليمين على الشمال أخرج البخاري في " صحيحه ( 7 ) " عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يأمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حاتم : لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلّم .
- حديث آخر أخرجه مسلم في " صحيحه ( 8 ) " عن وائل بن حجر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصفهما حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى مختصر .
- حديث آخر أخرجه أبو داود ( 9 ) والنسائي . وابن ماجه من حديث الحجاج بن أبي زينب سمعت أبا عثمان يحدث عن ابن مسعود عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى ( 10 ) فرآه النبي صلى الله عليه وسلّم فوضع يده اليمنى على اليسرى انتهى . وفي إسناده حجاج بن أبي زينب فيه لين قال ابن المديني : ضعيف وقال النسائي : ليس بالقوي وقال ابن معين : ليس به بأس وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به وقال النووي في " الخلاصة ( 11 ) " : إسناده صحيح على شرط مسلم .
- حديث آخر أخرجه الدارقطني ( 12 ) عن طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة " انتهى . وطلحة هذا قال فيه أحمد : متروك الحديث وقال ابن معين : ضعيف ليس بشيء وتكلم فيه البخاري . وأبو داود . والنسائي . وأبو حاتم . وأبو زرعة . وابن حبان . والدارقطني . وابن عدي .
- حديث آخر أخرجه الدارقطني أيضا عن النضر بن إسماعيل عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا نحو حديث ابن عباس والنضر بن إسماعيل قال فيه ابن معين : ليس بشيء وقال النسائي . وأبو زرعة : ليس بالقوي وابن أبي ليلى أيضا ضعيف .
- حديث آخر أخرجه الترمذي . وابن ماجه ( 13 ) عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه انتهى . قال الترمذي : حديث حسن انتهى .
_________ .
( 1 ) في " باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " ص 117 ، وأحمد : ص 110 .
( 2 ) قال صاحب " العون " ص 275 - ج 1 : ورواية علي المذكورة في الباب ليست إلا في نسخة ابن الأعرابي اه . قلت : فهي في رواية ابن داسة . وابن الأعرابي كليهما والله أعلم قال صاحب " درهم الصرة " نقلا عن " أطراف المزني " : إن حديث " من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة " أخرجه أبو داود عن محمد بن محبوب عن حفص بن غياث عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد عن وهب بن عبد الله أبي جحيفة الشوائي عن علي Bه لكن هذا الحديث واقع في رواية أبي سعيد بن الأعرابي . وابن داسة . وغير واحد عن أبي داود ولم يذكره أبو القاسم انتهى ما ذكره المزني اه .
( 3 ) الذين اشتهروا بهذه الكنية من أهل العلم ثلاثة : فخر الدين بن تيمية وهو المتقدم . وعبد السلام بن تيمية صاحب " المنتقى " وإياه يريد المخرج . وحفيده أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية وهو المشتهر في مشارق الأرض ومغاربها صاحب التصانيف الكبثيرة : منها المنهاج وغيره قلت : هو في النسخ الموجودة عندنا هذا الحديث معزو إلى أبي داود أيضا راجع له " نيل الأوطار " ص 78 - ج 2 .
( 4 ) ص 110 - ج 1 ، والدارقطني : ص 107 ، والبيهقي : ص 31 - ج 2 .
( 5 ) هذا تهور منه كما هو دأبه في أمثال هذه المواقع وإلا فقد قال الحافظ ابن حجر في " القول المسدد " ص 35 : وحسن له الترمذي حديثا مع قوله : إنه تكلم فيه من قبل حفظه وصحح الحاكم من طريقه حديثا وأخرج له ابن خزيمة من صحيحه آخر ولكن قال : وفي القلب من عبد الرحمن شيء .
( 6 ) قوله : روى ابن خزيمة في " صحيحه " من حديث وائل بن حجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم اه . حديث وائل هذا ذكره كثير من أهل العلم وعزوه إلى ابن خزيمة مع سكوت عن نسبة التصحيح وصرح بعضهم بهذا أيضا كالشوكاني وهو الذي لم ير هذا الكتاب قط لأنه من الكتب التي ندرت ثم افتقدت فلم يسمع لها عين ولا أثر إلا ما يسمع في " مكتبة ليدن " أن فيها مجلدين من صحيح ابن خزيمة ولم يفز به من المحدثين إلا شرذمة قليلة : منهم البيهقي فإنه قال في " السنن الكبرى " ص 93 - ج 1 : قال الشيخ : وهذه الزيادة " أي زيادة { ربنا وإليك المصير } " في هذا الحديث لم أجدها إلا في رواية ابن خزيمة وهو إمام وقد رأيته في نسخة قديمة لكتاب ابن خزيمة ليس فيه هذه الزيادة ثم ألحقت بخط آخر بحاشيته فالأشبه أن تكون ملحقة بكتابه من غير علمه والله أعلم اه . ومنهم الحافظ أبو الفضل ابن حجر حيث يقول في " التلخيص " ص 127 : إني راجعت " صحيح ابن خزيمة " فوجدته أخرج عن أبي هريرة " من أدرك من الصلاة ركعة " الحديث ووجدنا ابن القيم ينقل حديثا بإسناده حيث قال في " بدائع الفوائد " ص 104 - ج 4 : الذي وقع في " صحيح البخاري " وأكثر كتب الحديث : " وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " ووقع في " صحيح ابن خزيمة " والنسائي بإسناد الصحيحين من رواية جابر ورواية ابن خزيمة عن موسى بن سهل الرملي صدقه أبو حاتم الرازي وباقي الإسناد على شرطهما اه . ونظن منه أنه مطلع على أصل الكتاب ثم الذي نرى من كلام ابن خزيمة على كل حديث - على ما ينقل الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام . وفتح الباري . وغيرهما " . والنووي في " شرح المهذب " وغيره - أن صحيح ابن خزيمة " ليس كالصحيحين . وأبي داود . والنسائي بل دأبه كدأب الترمذي . والحاكم يتكلم على كل حديث بما يناسبه يصححه إن رأى ذلك وإليه الاشارة في " فتح المغيث " ص 14 ، وكم في " كتاب ابن خزيمة أيضا من حديث محكوم منه بصحة وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن اه . وقد يذكر فيه التردد كما قال الحافظ في " القول المسدد " لحديث رواه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن إسحاق ولكن قال في آخره : في القلب من عبد الرحمن شيء وقد يسند الحديث ويسكت كما يسكت الترمذي . والحاكم وربما يسكت والحديث ضعيف قال الزيلعي ص 325 : حديث آخر أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلّم " قرأ بسم الله الرحمن الرحيم " في " الفاتحة - في الصلاة " وعدها آية اه . وهذا الحديث هو الذي أخرجه الحاكم في " المستدرك " ص 232 - ج 1 من طريق ابن خزيمة وفيه عمر بن هارون قال الذهبي : أجمعوا على ضعفه وقال النسائي : متروك اه . وحديث وائل هذا رواه البيهقي في " سننه " ولم يروه إلا من طريق مؤمل بن اسماعيل فقط ولو كان له طريق أقوى من هذا عند ابن خزيمة لما كان البيهقي يترك الأقوى ويأتي بالأضعف وهو زعيم الشوافع في إبراز دلائل مذهبه وذكره الحافظ في " بلوغ المرام - والدراية - والتلخيص - وفتح الباري " وعزاه إلى ابن خزيمة ولم ينقل في شيء منها تصحيحه ولم يصححه من عند نفسه أيضا وقد أكثر من ذكر تصحيحات ابن خزيمة في " بلوغ المرام " بل قلما نجد حديث غير الصحيحين له مساغ في الصحة ذكره في " بلوغ المرام " ثم لم يعقب بتصحيح ابن خزيمة له وهذا هو الأكثر أو الترمذي . أو الحاكم . أو غيرهما وإلا فمن عند نفسه إن رأى ذلك .
وكذلك النووي استدل به للشوافع في " الخلاصة - وشرح المهذب - وشرح مسلم " ولم ينقل تصحيحه من ابن خزيمة ولم يصححه هو بنفسه مع أنه يصحح أمثال حديث حجاج بن أبي زينب في هذا الباب وهو متكلم فيه فاستدلاهما بحديث وائل بن حجر على مذهبهما ثم سكوتهما عن التصحيح يهتدي به من رزق الهداية إلى أن فيه شيئا يمنعهم عن الحكم بالصحة والله أعلم .
رحم الله ابن القيم نبههما على ما فيه حيث قال في " إعلام الموقعين " ص 9 - ج 3 : المثال الثاني والستون ترك السنة الصحيحة الصريحة التي روتها الجماعة عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوضع يده اليمنى على اليسرى ولم يقل : على صدره غير مؤمل بن إسماعيل اه .
وأصرح منه ما قال في " البدائع " ص 91 - ج 3 : واختلف في موضع الوضع فعنه : فوق السرة وعنه : تحتها وعنه : أبو طالب سألت أحمد بن حنبل أين يضع يده إذا كان يصلي ؟ قال : على السرة أو أسفل وكل ذلك واسع عنده إن وضع فوق السرة أو عليها أو تحتها قال علي Bه : من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مثل تفسير علي إلا أنه غير صحيح والصحيح صهيب وعلي قال في رواية المزني : أسفل السرة بقليل ويكره أن يجعلها على الصدر وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه نهى عن التكفير وهو وضع اليد على الصدر مؤمل بن إسماعيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل أن النبي صلى الله عليه وسلّم وضع يده على صدره فقد روى هذا الحديث عبد الله بن الوليد عن سفيان لم يذكر ذلك ورواه شعبة وعبد الواحد لم يذكرا خالفا كذا سفيان اه .
فكلام ابن القيم هذا أرشدنا إلى أمور : إن زيادة : على صدره لم يذكرها إلا مؤمل عن سفيان عن عاصم بن كليب عن وائل بن حجر وأن مؤمل منفرد من بين جماعة من أصحاب الثوري بهذه الزيادة وأن ما سواه من أصحاب الثوري وهي جماعة لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة فهذه الزيادة عنده وهم مؤمل ثم ذكر في " بدائع الفوائد " أن السنة الصحيحة وضع اليدين تحت السرة وحديث علي في هذا صحيح وأن وضع اليدين على الصدر منهي عنه بالسنة وهي المنهي عن التكفير .
وقد ذكر قبل أن ابن القيم ينقل عن " صحيح " ابن خزيمة " أحاديث بأسانيدها فلو كان عند ابن خزيمة بإسناد آخر أقوى من هذا لما قال ابن القيم ما قال ولما سكت الحافظ . والنووي عن التصحيح مع احتياجهما إليه فمن يدعي أن لرواية ابن خزيمة إسناد آخر غير هذا فليذكر لينظر فيه .
وإني لم أطلع على الجماعة الذين رووا عن سفيان ولم يذكروا زيادة : على صدره سوى عبد الله بن الوليد عند أحمد ص 318 - ج 4 ، إلا أن سفيان هذا هو الثوري كان صرح به في " الإعلام " وهو من علماء الكوفة مذهبه في هذا مذهب أبي حنيفة وإسحاق بن راهويه معروف من وضع اليدين تحت السرة كما صرح به النووي في " شرح المهذب " ص 313 - ج 3 ، وابن قدامة في " المغني " ص 519 - ج 1 . وغيرهما فلو كان عند الثوري حديث الصدر صحيحا لما خالفه إلى غيره والله أعلم .
ثم مما يؤيد ابن القيم أن جماعة من أصحاب عاصم رووا هذا الحديث عنه ولم يذكروا لفظ : على صدره : منهم شعبة عند أحمد : ص 319 - ج 4 . وعبد الواحد عنده : ص 316 . وزهير بن معاوية : ص 318 . وزائدة عنده : ص 318 . وعند أبي داود : ص 112 . والبيهقي : ص 228 - ج 2 . وبشر بن المفضل عند أبي داود : ص 112 ، وابن ماجه : ص 59 . وعبد الله بن إدريس عند ابن ماجه : ص 59 . وسلام بن سليم عند الطيالسي : ص 137 . وخالد بن عبد الله عند البيهقي : ص 131 - ج 2 ، ولم يذكر واحد منهم : على صدره .
وكذا روى موسى بن عمير عن عائشة عن وائل عند أحمد : ص 316 - ج 4 . والبيهقي : ص 28 - ج 2 . والدارقطني : ص 117 . وموسى بن قيس عند النسائي : ص 141 . وعبد الجبار بن علقمة . ومولى لهم عند مسلم : ص 173 . وعبد الجبار عن وائل بن علقمة عن وائل بن حجر عند أبي داود : ص 112 . وعبد الجبار عن أهل بيت وائل عند البيهقي : ص 26 ، وعبد الجبار عن أبيه وائل عند أحمد : ص 318 ، والدارمي : ص 146 . وعبد الجبار . ومولى لهم عن وائل عند البيهقي : ص 28 - ج 2 ، وص 71 - ج 2 ، كلهم ذكروا وضع اليمين على الشمال ولم يذكر أحد منهم على صدره .
( يتبع ... )