- الحديث الثامن " قال عليه السلام : .
- " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
قلت : روي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن حديث جابر ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث علي ومن حديث عائشة ومن حديث ابن عمر ومن حديث خوات بن جبير ومن حديث زيد بن ثابت .
- فحديث عمرو بن شعيب : أخرجه النسائي وابن ماجه ( 1 ) عن عبيد الله بن عمرو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ما أسكر كثيره فقليله حرام انتهى . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا عبد الله بن عمر عن عمرو به .
- وأما حديث جابر : فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه ( 2 ) عن داود بن بكير عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا نحوه سواء قال الترمذي : حديث حسن غريب من حديث جابر وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع التاسع والتسعين من القسم الأول عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به وداود بن بكر بن أبي الفرات الأشجعي قال ابن معين : ثقة وقال أبو حاتم : لا بأس به ليس بالمتين انتهى . وقد تابعه موسى بن عقبة كما أخرجه ابن حبان .
- وأما حديث سعد : فأخرجه النسائي ( 3 ) عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن الوليد بن كثير عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشجع عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن قليل ما أسكر كثيره انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في أول القسم الثاني قال المنذري في " مختصره " : أجود أحاديث هذا الباب حديث سعد فإنه من رواية محمد بن عبد الله الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير وقد احتج بهما الشيخان انتهى . قال النسائي : وفي هذا الحديث دليل على تحريم السكر قليله وكثيره وليس كما يقول المخادعون ( 4 ) بتحريمهم آخر الشربة . دون ما تقدمها إذ لا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث عن الشربة الأخيرة فقط دون ما تقدمها .
- وأما حديث علي : فأخرجه الدارقطني في " سننه " ( 5 ) عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام " انتهى . وعيسى بن عبد الله عن آبائه تركه الدارقطني .
- وأما حديث عائشة : فأخرجه أبو داود والترمذي ( 6 ) عن أبي عثمان عمرو بن سالم الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : كل مسكر حرام وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام وفي لفظ للترمذي : فالحسوة منه انتهى . قال الترمذي : حديث حسن ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والستين من القسم الثاني وأحمد في " مسنده " قال المنذري في " مختصره " . رجاله كلهم محتج بهم في " الصحيحين " إلا عمرو بن سالم وهو مشهور لم أجد لأحد فيه كلاما انتهى . قلت : قال ابن القطان في " كتابه " : وأبو عثمان هذا لا يعرف حاله وتعقبه صاحب " التنقيح " فقال : وثقه أبو داود وذكره ابن حبان في " الثقات " انتهى . وأخرجه الدارقطني في " سننه " ( 7 ) من طرق أخرى عديدة أضربنا عن ذكرها لأنها كلها ضعيفة .
- وأما حديث ابن عمر : فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا أبو عامر العقدي ثنا أبو معشر عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا : ما أسكر كثيره فقليله حرام . انتهى . ورواه الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا أبو مصعب ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة به ورواه في " الوسط " من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ومن طريق ابن إسحاق عن نافع به .
- وأما حديث خوات بن جبير : فأخرجه الحاكم في " المستدرك ( 8 ) - في كتاب الفضائل " عن عبد الله بن إسحاق بن صالح بن خوات بن جبير ( 9 ) حدثني أبي عن أبيه عن جده خوات بن جبير مرفوعا نحوه سواء وسكت عنه ورواه الطبراني في " معجمه " والدارقطني في " سننه " . والعقيلي في " ضعفائه " وأعله بعبد الله بن إسحاق هذا وقال : لا يتابع عليه بهذا الإسناد والحديث معروف بغير هذا الإسناد .
- وأما حديث زيد بن ثابت فرواه الطبراني في " معجمه " ( 10 ) حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المروزي ثنا يحيى بن سليمان المدني ثنا إسماعيل بن قيس عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت مرفوعا نحوه سواء .
- قوله : ويروى : ما أسكر الجرة منه فالجرعة حرام قلت : هذه رواية غريبة ولكن معناها في حديث عائشة ما أسكر الفرق فملؤ الكف منه حرام أخرجه أبو داود والترمذي وقد تقدم وفي رواية للترمذي فالحسوة منه حرام .
- قوله : وهذا الحديث ليس بثابت ثم هو محمول على القدح الأخير : قلت : أخرج الدارقطني في " سننه " ( 11 ) عن عمار بن مطر ثنا جرير بن عبد الحميد عن الحجاج عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله في قوله عليه السلام : " كل مسكر حرام " قال : هي الشربة التي أسكرتك ثم أخرجه عن عمار بن مطر ثنا شريك عن أبي حمزة عن إبراهيم قوله : كل مسكر حرام قال : هي الشربة التي أسكرتك قال : وهذا أصح من الأول ولم يسنده غير الحجاج واختلف عنه وعمار بن مطر ضعيف وحجاج ضعيف وإنما هو من قول إبراهيم النخعي ثم أسند عن ابن المبارك أنه ذكر له حديث ابن مسعود كل مسكر حرام هي الشربة التي أسكرتك فقال : حديث باطل انتهى . وقال البيهقي في " المعرفة " : هذا إنما يرويه حجاج بن أرطأة وهو لا يحتج به وقد ذكر لابن المبارك فقال : حديث باطل قال : وسببه ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ فأسند عن البخاري أنه قال : قال زكريا بن عدي : لما قدم بن المبارك الكوفة فذكر قصة رواها ابن المبارك عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم قال : كانوا يقولون : إذا سكر من شراب لم يحل له أن يعود فيه أبدا قال البيهقي : فكيف يكون عند إبراهيم قول ابن مسعود هكذا ثم يخالفه ؟ فدل على بطلان ما رواه الحجاج بن أرطأة انتهى كلامه .
_________ .
( 1 ) عند ابن ماجه في " الأشربة - في باب ما أسكر كثيره فقليله حرام " ص 251 ، وعند النسائي " فيه - في باب تحريم كل شراب أسكر كثيره " ص 326 - ج 2 .
( 2 ) عند أبي داود في " الأشربة - في باب ما جاء في السكر " ص 162 - ج 2 ، وعند الترمذي " فيه - في باب ما أسكر قليله فكثيره حرام " ص 9 - ج 2 ، وعند ابن ماجه في " الأشربة " ص 251 .
( 3 ) عند النسائي في " الأشربة " ص 326 - ج 2 .
( 4 ) قوله : ليس كما يقول المخادعون أراد به الحنفية قال الشيخ الإمام ختام المحدثين بقية السلف النجم الثاقب والبحر الصائب السيد " محمد أنور الكشميري " قدس الله سره العزيز لم أر للحنفية وجها شافيا يشفي القلوب ويثلج الصدور يكون مسكة عند الاحتياج وقواما للمذهب إلا ما ذكره صاحب " العقد الفريد " من كتب الأدب فهاك عبارته واعتبر بدلالته وإشارته ونزله وعجالته النافعة تجديك خيرا وتسدي إليك نميرا : فقال في " العقد الفريد " ص 330 - ج 4 : وذكر ابن قتيبة في " كتاب الأشربة " أن الله حرم علينا الخمر بالكتاب والمسكر بالسنة فكان فيه فسحة أو بعضه كالقليل من الديباج والحرير يكون في الثوب والحرير محرم بالسنة وكالتفريط في صلاة الوتر وركعتي الفجر وهما سنة فلا نقول : إن تاركهما كتارك الفرائض من الظهر والعصر وقد استأذن عبد الرحمن بن عوف رسول الله صلى الله عليه وسلّم في لباس الحرير لبلية كانت به وأذن عرفجة بن سعد - وكان أصيب أنفه يوم الكلاب - باتخاذ أنف من الذهب وقد جعل الله فيما أحل عوضا مما حرم فحرم الربا وأحل البيع وحرم السفاح وأحل النكاح وحرم الديباج وأحل الوشي وحرم الخمر وأحل النبيذ غير المسكر والمسكر منه ما أسكرك انتهى . ثم قال صاحب " العقد الفريد " : وقال المحلون للنبيذ : إن الحرام هو الشربة الأخيرة فقط وقال المحرمون : إن جميع ما شرب هو المحرم المسكر وأن الشربة الأخيرة إنما أسكرت بالأولى فرد على هؤلاء صاحب " العقد " وأيد قول المحلين للنبيذ فقال : ينبغي أن يكون قليل النبيذ الذي يسكر كثيره حلالا وكثيره حراما وأن الشربة الأخيرة المسكرة هي المحرمة ومثل الأربعة الأقداح التي يسكر منها القدح الرابع مثل أربعة رجال اجتمعوا على رجل فشجه أحدهم موضحة ثم شجه الثاني منقلة ثم شجه الثالث مأمومة ثم أقبل الرابع فأجهز عليه فلا تقول : إن الأول هو القائل والثاني والثالث وإنما قتله الرابع الذي أجهز عليه وعليه القود انتهى . ثم نقل رسالة عمر بن عبد العزيز إلى أهل الأمصار في الأنبذة وفيها : وأن في الأشربة التي أحل الله من العسل والسويق والنبيذ من الزبيب والتمر لمندوحة عن الأشربة غير أن كل ما كان من نبيذ العسل والتمر والزبيب فلا ينبذ إلا في أسقية الأدم التي لا زفت فيها ولا يشرب منها ما يسكر فإنه قد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن شرب ماجعل في الجرار والدباء والظروف المزفتة وقال : كل مسكر حرام فاستغنوا بما أحل الله لكم عما حرم عليكم اه . ثم قال صاحب " العقد الفريد " : ومن احتجاج المحلين للنبيذ ما رواه مالك في " الموطأ " من حديث أبي سعيد الخدري وفيه بعد قصة فأخبروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " كنت نهيتكم عن الانتباذ في الدباء والمزفت فانتبزوا وكل مسكر حرام " اه . وإنما هو ناسخ ومنسوخ وإنما كان نهيه أن ينتبذوا في الدباء والمزفت نهيا عن النبيذ الشديد لأن الأشربة فيها تشتد ولا معنى للدباء والمزفت غير هذا وقوله عليه السلام : " وكل مسكر حرام " ينهاكم بذلك أن تشربوا حتى تسكروا وإنما المسكر ما أسكرك ولا يسمى القليل الذي لا يسكر مسكرا ولو كان ما يسكر كثيره يسمى قليله مسكرا ما أباح لنا منه شيئا والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم شرب من سقاية العباس فوجده شديدا فقطب بين حاجبيه ثم دعا بذنوب من ماء زمزم فصب عليه ثم قال : إذا اغتلمت أشربتكم فاكسروها بالماء ولو كان حراما لأراقه ولما صب عليه ماء ثم شربه وقالوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " كل خمر مسكر وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " : هذا كله منسوخ نسخه شربه للصلب يوم حجة الوداع قالوا : ومن الدليل على ذلك أنه كان ينهى وفد عبد القيس عن شرب المسكر فوفدوا إليه بعد فرآهم مصفرة ألوانهم سيئة حالهم فسألهم عن قصتهم فأعلموه أنه كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم من ذلك فأذن لهم في شربه وأن ابن مسعود قال : شهدنا التحريم وشهدنا التحليل وغبتم وأنه كان يشرب الصلب من نبيذ التمر حتى كثرت الروايات عنه به وشهرت وأذيعت واتبعه عامة التابعين من الكوفيين وجعلوه أعظم حججهم وقال في ذلك شاعرهم : .
من ذا يحرم ماء المزن خالطه ... في جوف خابية ماء العناقيد .
إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيه ويعجبني قول ابن مسعود .
قال العبد الأحقر " محمد يوسف الكاملبوري " : وإليه ينزع ما قال أبو الأسود الدؤلي معلم الحسنين : .
دع الخمر يشربها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مغنيا بمكانها .
فإن لم يكنها أو يكنها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها .
ثم قال صاحب " العقد الفريد " : وإنما أراد الشاعر الأول أنهم كانوا يعمدون إلى الرب الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فيزيدون عليه الماء قدر ما ذهب منه ثم يتركونه حتى يغلي ويسكن جأشه ثم يشربونه وكان عمر يشرب على طعامه الصلب ويقول : يقطع هذا اللحم في بطونا واحتجوا بحديث ابن عباس أنه قال : حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب وما روى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم طاف وهو شاك على بعير ومعه محجن فلما مر بالحجر استلمه بالمحجن حتى إذا انقضى طوافه نزل فصلى ركعتين ثم أتى السقاية فقال : أسقوني من هذا فقال له العباس : ألا نسقيك مما يصنع في البيوت ؟ قال : ولكن أسقوني مما يشرب الناس فأتى بقدح من نبيذ فذاقه فقطب فقال : هلموا فصبوا فيه الماء ثم قال : زد فيه مرة أو مرتين أو ثلاثا ثم قال : إذا صنع أحد منكم هكذا فاصنعوا به هكذا وما روي عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلّم عطش وهو يطوف بالبيت فأتى بنبيذ من السقاية فشمه فقطب ثم دعا بذنوب من ماء زمزم فصب عليه ثم شربه فقال له رجل : أحرام هذا يا رسول الله ؟ فقال : لا . وقال الشعبي : شرب أعرابي من أدواة عمر فأغشى فحده عمر فقال : شربت من أدوائك فقال : إنما حددتك للسكر لا للشرب ودخل عمر بن الخطاب على قوم يشربون ويوقدون في الأخصاص فقال : نهيتكم عن معاقرة الشراب فعاقرتم وعن الايقاد في الأخصاص فأوقدتم وهم بتأديبهم فقالوا : يا أمير المؤمنين نهاك الله عن التجسس فتجسست ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت فقال : هاتان بهاتين وانصرف وهو يقول : كل الناس أفقه منك يا عمر وإنما نهاهم عن المعاقرة وإدمان الشراب حتى يسكروا ولم ينههم عن الشراب وعن مالك بن دينار : وسئل عن النبيذ أحلال هو أم حرام ؟ فقال : انظر ثمن التمر من أين هو ولا تسأل عن النبيذ أحلال هو أم حرام انتهى . ملخصا . وقال شيخنا الإمام المنعوت ذكره : إن الحنفية ما قالوا بحل قليل من النبيذ على وجه التلهي بل قالوا على وجه التقوي يستظهر به على العبادات قلت : هذا محمل حسن وفيه بعض بلغة ومنجع وفي الدارقطني في " الأشربة " ص 535 عن ابن المبارك قال : سأل عبد الله بن عمر العمري أبا حنيفة عن الشراب فقال : حدثونا من قبل أبيك C قال : إن رابكم فاكسروه بالماء فقال له عبد الله : فإذا تيقنت ولم ترتب انتهى .
( 5 ) ص 531 - ج 2 .
( 6 ) عند أبي داود في " الأشربة - في باب ما جاء في السكر " ص 163 - ج 2 ، وعند الترمذي فيه : ص 9 - ج 2 ، وفي لفظ للترمذي : فالحسوة منه حرام .
( 7 ) عند الدارقطني في " الأشربة " ص 533 .
( يتبع ... )