- الحديث الثاني : قال عليه السلام : .
- " جار الدار أحق بالدار والأرض ينتظر له وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا " قلت : هو مركب من حديثين فصدر الحديث أخرجه أبو داود في " البيوع " والترمذي في " الأحكام " ( 1 ) والنسائي في " الشروط " فأبو داود والنسائي عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة والترمذي عن إسماعيل بن علية عن سعيد عن قتادة به أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : جار الدار أحق بدار الجار والأرض انتهى . قال الترمذي : حديث حسن صحيح ورواه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن أبي شيبة في " مصنفه " وفي بعض ألفاظهم : جار الدار أحق بشفعة الدار وأخرجه النسائي أيضا عن عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة وأخرجه أيضا عن عيسى بن يونس عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا : جار الدار أحق بالدار انتهى . وبهذا الإسناد رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والثلاثين من القسم الثالث ثم قال : وهذا الحديث إنما ورد في الجار الذي يكون شريكا دون الجار الذي ليس بشريك يدل عليه ما أخبرنا وأسند عن عمرو الشريد قال : كنت مع سعيد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة فجاء أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لسعد بن مالك ( 2 ) : اشتر مني بيتي الذي في دارك فقال : لا إلا بأربعة آلاف منجمة فقال : أما والله لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : الجار أحق بشفعة ما بعتكها لقد أعطيت بها بخمسمائة دينار انتهى . قلت : هذا معارض بما أخرجه النسائي وابن ماجه ( 3 ) عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رجلا قال : يا رسول الله أرضي ليس فيها لأحد شرك ولا قسم إلا الجوار فقال : الجار أحق بشفعة ما كان انتهى . ورواه البزار في " مسنده " وقال : ويروى هذا الحديث عن الحسن عن سمرة وعيسى بن يونس جمع بين الطرفين أعني عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة وعن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس انتهى . ورواه الدارقطني في " سننه " ( 4 ) وقال : وهم فيه عيسى بن يونس وغيره يرويه عن قتادة عن الحسن عن سمرة هكذا رواه شعبة وغيره وهو الصواب انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : وقد مالأ بهذا القول على عيسى بن يونس فإنه ثقة ولا يبعد أن يكون جمع بين الروايتين أعني عن أنس وعن سمرة وقد ورد ما يعضد ذلك قال قاسم بن أصبغ : حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن أبي عروبة عن قتادة عن أنس وبه عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا فذكره قال : وعيسى بن يونس ثقة فوجب تصحيح ذلك عنه انتهى .
- حديث آخر : رواه أحمد في " مسنده " ( 5 ) حدثنا عفان ثنا همام أنبأ قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد بن سويد الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : جار الدار أحق بالدار من غيره انتهى . وبقية الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة ( 6 ) عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحد انتهى . قال الترمذي : حديث حسن غريب ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك ثقة مأمون عند أهل الحديث لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث ( 7 ) انتهى . وقال المنذري في " مختصره " : قال الشافعي : يخاف أن لا يكون محفوظا وأبو سلمة حافظ وكذلك أبو الزبير ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك وسئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال : هو حديث منكر وقال يحيى : لم يحدث به إلا عبد الملك وقد أنكره الناس عليه وقال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا انتهى كلامه . وقال صاحب " التنقيح " : واعلم أن حديث عبد الملك بن أبي سليمان حديث صحيح ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة وهي الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فإن في حديث عبد الملك إذا كان طريقها واحدا وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرق فيقول : إذا اشترط الجاران في المنافع كالبئر أو السطح أو الطريق فالجار أحق بصقب جاره لحديث عبد الملك وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع فلا شفعة لحديث جابر المشهور وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح فيه فإنه ثقة وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها إنما كان حافظا وغير شعبة إنما طعن فيه تبعا لشعبة وقد احتج بعبد الملك مسلم في " صحيحه " واستشهد به البخاري ويشبه أن يكونا إنما لم يخرجا حديثه هذا لتفرده به وإنكار الأئمة عليه فيه وجعله بعضهم رأيا لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث ووثقه أحمد والنسائي وابن معين والعجلي وقال الخطيب : لقد أساء شعبة حيث حدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان فإن العرزمي لم يختلف أهل الأثر في سقوط روايته وعبد الملك ثناءهم عليه مستفيض والله أعلم انتهى كلامه .
_________ .
( 1 ) عند أبي داود في " الشفعة " ص 140 - ج 2 ، وعند الترمذي فيه : ص 176 - ج 2 ، ولفظه : جار الدار أحق بالدار .
( 2 ) قلت : سعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص قاسم أبي وقاص مالك راجع " الطبقات " لابن سعد في " ترجمة سعد بن أبي وقاص " هذا .
( 3 ) عند النسائي في " البيوع - في الشفعة " ص 234 - ج 2 ، ولفظه : الجار أحق بسبقه وعند ابن ماجه في " الشفعة " ص 182 ، ولفظه : الجار أحق بسبقه اه .
( 4 ) لم أجد هذا القول في نسخة الدارقطني المطبوعة عندنا والله أعلم .
( 5 ) عند أحمد في - مسند شريد بن سويد الثقفي - ص 388 - ج 4 .
( 6 ) عند ابن ماجه في " أبواب الشفعة " وعند أبي داود في " الشفعة " ص 140 - ج 2 ، وعند الترمذي " باب ما جاء في الشفعة للغائب " ص 176 - ج 1 .
( 7 ) وقال الترمذي بعد هذا : وروي عن ابن المبارك عن سفيان الثوري قال : عبد الملك بن أبي سليمان ميزان - يعني في العلم - انتهى