وأما الاضطراب في متنه فقد تقدم من ذلك شيء وروى الدارقطني في " سننه " وابن عدي في " الكامل " والعقيلي في " كتابه " عن القاسم بن عبيد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث " انتهى . قال الدارقطني : كذا رواه القاسم العمري عن ابن المنكدر عن جابر ووهم في إسناده وكان ضعيفا كثير الخطأ وخالفه روح بن القاسم . وسفيان الثوري . وعمر بن راشد رووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر ( 20 ) موقوفا ورواه أيوب السخيتنايي عن محمد بن المنكدر من قوله : لم يجاوز به ثم روي بإسناد صحيح من جهة روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمر قال : إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس ثم أخرج رواية سفيان من جهة وكيع . وأبي نعيم عنه عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمر وقال : : إذا كان الماء أربعين قلة لم ينجسه شيء وأخرج رواية معمر أيضا من جهة عبد الرزاق عن غير واحد عنه ( 21 ) وأخرج رواية أيوب عن محمد بن المنكدر قال : إذا بلغ الماءء أربعين قلة لم ينجس أو كلمة نحوها وروى الدارقطني أيضا من جهة بشر بن السري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن سنان عن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن أبيه قال : إذا كان الماء أربعين قلة لم يحمل خبثا قال الدارقطني : كذا قال وخالفه غير واحد رووه عن أبي هريرة فقالوا : أربعين غربا ومنهم من قال : أربعين دلوا وسليمان بن سنان سمع ابن عباس . وأبا هريرة قاله البخاري في " تاريخه " .
وأما الاضطراب في معناه فقيل : إن القلة - اسم مشترك - يطلق على الجرة . وعلى القربة . وعلى رأس الجبل وروى الشافعي ( 22 ) في تفسيرها حديثا فقال في " مسنده " أخبرني مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا " وقال في الحديث : " بقلال هجر " قال ابن جريج : وقد رأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا قال الشافعي : فالاحتياط أن يجعل القلة قربتين ونصفا فإذا كان الماء خمس قرب كبار كقرب الحجاز لم يحمل نجسا إلا أن يظهر في الماء ريح أو طعم أو لون انتهى . وهذا فيه أمران : أحدهما : أن سنده منقطع ومن لا يحضره مجهول فلا يقوم بهذا الحجة عنده . والثاني : أن قوله : وقال في الحديث : " بقلال هجر " يوهم أن هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلّم وليس كذلك فروى الدارقطني من حديث أبي بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري عن أبي حميد عن حجاج عن ابن جريح قال : أخبرني محمد بن يحيى فذكره قال محمد بن يحيى : ( 23 ) : قلت ليحيى بن عقيل : أي قلال ؟ قال : قلال هجر قال محمد : فرأيت قلال هجر فأظن كل قلة تسع قربا ( 24 ) قال : وإسناد الاول أحفظ ( 25 ) فهذان الوجهان ليس فيهما رفع هذا الكلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ولو كان مرسلا فإن يحيى بن عقيل ليس بصحابي ثم الطريق التي ذكر البيهقي أن إسنادها أحفظ يقول فيها : فأظن أن كل قلة تحمل قربتين والقربة تسع عشر رطلا فيكون مجموع القلتين أربعة وستين رطلا وهذا لا يقول به والرواية الأخرى - كل قلة قربتين - يقتضي أن القلتين أربع قرب وقد روى ابن عدي في " الكامل " من حديث المغيرة بن سقلاب عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء " والقلة : أربع آصع قال : والمغيرة ترك طريق هذا الحديث وقال : عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر وكان هذا أسهل عليه ومحمد بن إسحاق يرويه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عمر ثم روى ابن عدي من طريق المغيرة أيضا عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء " ويذكر أنهما فرقان قال ابن عدي : قوله في " متنه " : من قلال هجر غير محفوظ لا يذكر إلا في هذا الحديث من رواية مغيرة هذا عن محمد بن إسحاق قال : ومغيرة بن سقلاب يكنى " أبا بشر " منكر الحديث ثم أسند إلى أبي جعفر بن نفيل قال : المغيرة بن سقلاب لم يكن مؤتمنا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ابن عدي : وعامة ما يرويه لا يتابع عليه فهذا الحديث ذكر فيه قلال هجر وذكر أنهما فرقان وهذا لا يقول به من حزرهما ( 26 ) بخمسمائة رطل أو أكثر وأخرج الدارقطني ( 27 ) من حديث عبد العزيز بن أبي رزمة عن حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر قال : القلال : الجواني العظام وأخرج أيضا ( 28 ) من جهة الحسن بن عرفة سمعت هشيما يقول : القلتان : هما الجرتان الكبيرتان وقال ابن مندة : قال الأوزاعي . وأصحابه : القلة ما تقلد اليد " أي ترفعه " وأخرج البيهقي ( 29 ) من جهة عبد الرحيم بن سليمان سألت أحمد بن إسحاق عن القلتين فقال : هي الجرار التي يستقى فيها الماء . والدواريق وأخرج عن وكيع قال : هي الجرة وقال البيهقي في " كتاب المعرفة " : وقلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر فقال في حديث مالك بن صعصعة : " رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها مثل أذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر " قال : واعتذار الطحاوي ( 30 ) في ترك الحديث أصلا بأنه لا يعلم مقدار القلتين لا يكون عذرا عند من علمه و كذلك ترك القول ببعض الحديث بالاجماع لا يوجب تركه فيما لم يجمع عليه وتوقيته بالقلتين لمنع من حمله على الماء الجاري على أصله انتهى كلامه ( 31 ) .
_________ .
( 20 ) كل من لخص كلام الإمام كالزيلعي . وابن الهمام في " الفتح " ص 52 - ج 1 . والحلبي الكبير في " شرح المنية " ص 96 ، قالوا : عبد الله بن عمر والذي في " الدارقطني " ص 10 : عبد الله بن عمرو هو ابن العاص فهذا الخطأ إما من الإمام وتبعه عليه من تبعه أو من نساخ " الزيلعي . والفتح . والحلبي الكبير : فاعلمه .
( 21 ) أي عن غير واحد عن عبد الرزاق لا عن غيره أحد عن معمر والله أعلم .
( 22 ) رواه البيهقي عنه : ص 163 .
( 23 ) يحتاج إلى كشف حاله .
( 24 ) في " س " تأخذ فرقين وهكذا في " البيهقي " .
( 25 ) لم يفرق المخرج كلام الدارقطني عن غيره والظاهر أن هذا القول والذي بعده " فهذان الوجهان " وكذا " ثم الطريق التي ذكرها البيهقي أن إسنادها أحفظ " لا يرتبط بعضها مع بعض بل وقع الخرم والقطع في العبارة وأن قائل هذا القول البيهقي في " سننه " ص 262 ، فإنه روى حديث النيسابوري من طريق ابن الحارث عن الدارقطني . وأبي حامد أحمد بن علي عن زاهر بن أحمد عنه بنحو ما ذكره الزيلعي إلا أن فيه : " فأظن كل قلة تأخذ الفرقين " كا في " الدارقطني " أيضا ثم قال البيهقي : زاد أحمد بن علي في روايته : " والفرق ستة عشر رطلا " اه . ثم روى الحديث من طريق آخر وفيها قال محمد : قلت ليحيى بن عقيل : أي قلال ؟ قال : قلال هجر قال محمد : فرأيت قلال هجر فأظن كل قلة تأخذ قربتين قال : والإسناد الأول أحفظ اه . قلت : هذا الكلام مرتبط بعضه ببعض .
( 26 ) وفي نسخة " حددهما " .
( 27 ) ص 9 .
( 28 ) ص 7 ، والبيهقي : ص 264 .
( 29 ) ص 264 .
( 30 ) إشارة إلى قول الطحاوي فإن كان الخبر على ظاهره كما ذكرتم فإنه ينبغي أن يكون الماء إذا بلغ ذلك المقدار لا يضره النجاسة وإن غيرت لونه أو طعمه أو ريحه لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يذكر ذلك في الحديث فالحديث على ظاهره اه . ص 9 .
( 31 ) قال أبو عمر في " التمهيد " : ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولأن القلتين لا يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع وذكر ابن جرير الطبري في " التهذيب " معنى هذا الكلام " الجوهر النقي " ص 265 - ج 1 ، وقال ابن حزم في " المحلى " ص 154 - ج 1 : أما الشافعي فليس حده في القلتين بأولى من حد غيره فمن فسر القلتين بغير تفسيره فإن قيل : إنه عليه السلام ذكر قلال هجر في حديث الإسراء ؟ قلنا : نعم وليس ذلك يوجب أنه عليه السلام متى ذكر قلة الماء أراد قلال هجر وليس تفسير ابن جريج بأولى من تفسير مجاهد الذي قال : هما جرتان وتفسير الحسن كذلك : إنها أي جرة كانت