- الحديث الثاني : روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فتح مكة عنوة وتركها لأهلها ولم يوظف الخراج .
قلت : فيه أحاديث استدل بها العلماء على أن مكة فتحت عنوة : منها ما أخرجه مسلم ( 1 ) عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة فقال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى دخل مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الجسر وأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلّم في كتيبة قال : فنظر إلي وقال : يا أبا هريرة قلت : لبيك يا رسول الله قال : اهتف لي بالأنصار فلا يأتيني إلا أنصاري فهتف بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلّم ووبشت قريش أوباشها فقال لهم : ألا ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ؟ ثم قال بيده - فضرب إحداهما على الأخرى - وقال : أحصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة : فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل من شاء منهم إلا قتله وما توجه أحد منهم إلينا شيئا وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصفا وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن " فقالت الأنصار : أما الرجل فأخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قرابته ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : قلتم : أما الرجل فأخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قرابته كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم قالوا : والله ما قلنا إلا ضنا بالله وبرسوله قال : فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " وقال : هذا أدل دليل على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا انتهى .
[ أحاديث مختلفة ] : .
- حديث آخر : أخرجه البخاري ومسلم ( 2 ) عن أم هانئ أنها أجارت رجلا من المشركين يوم الفتح فأتت النبي صلى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال : قد أجرنا من أجرت وآمنا من آمنت انتهى . قال المنذري في " مختصره " : استدل بهذا الحديث على أن مكة فتحت عنوة إذ لو فتحت صلحا لوقع به الأمان العام ولم يحتج إلى أمان أم هانئ ولا تجديده من النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى .
- حديث آخر : أخرجاه أيضا في " الصحيحين " ( 3 ) عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وأنها لا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار انتهى .
- حديث آخر : أخرجاه أيضا في " الصحيحين " ( 4 ) عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : في الغد من يوم الفتح : إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا تحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب انتهى . وبهذا الحديث استدل ابن الجوزي في " التحقيق " .
قوله : روي أن الصحابة وضعوا العشر على أرض البصرة قلت : ذكره ابن عمر وغيره .
قوله : والخراج الذي وضعه عمر على أهل السواد من كل جريب يبلغه الماء قفيز هاشمي وهو الصاع ودرهم ومن جريب الرطبة خمسة دراهم ومن جريب الكرم المتصل والنخيل المتصل عشرة دراهم وهذا هو المنقول عن عمر فإنه بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق وجعل حذيفة عليه مشرفا فمسح فبلغ ستا وثلاثين ألف جريب ووضع على ذلك ما قلنا وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير فكان إجماعا قلت : تقدم حديث عمر قريبا وفيه بعض تغيير وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " حدثنا إسماعيل ابن مجالد عن أبيه مجالد بن سعيد عن الشعبي أن عمر بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب انتهى .
قوله : روي عن عمر Bه أنه قال : لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ فقالا : بل حملناها ما تطيق قلت : أخرجه البخاري في " صحيحه ( 5 ) - في كتاب فضائل الصحابة - في باب البيعة لعثمان " عن عمرو بن ميمون قال : رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة وعثمان بن حنيف قال : كيف فعلتما : أتخافإن أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا : حملناها أمرا هي له مطيقة ما فيها كبير فضل قال : انظرا أن تكونا حملتماها ما لا تطيق ؟ قالا : لا فقال عمر : لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي قال : فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب الحديث بطوله وهو حديث مقتل عمر بن الخطاب وبيعة عثمان .
قوله : روي أن عمر لم يزد حين أخبر لزيادة الطاقة قلت : تقدم في الحديث قبله وروى عبد الرزاق في " مصنفه - في كتاب أهل الكتاب " أخبرنا معمر عن علي بن الحكم البناني عن محمد بن زيد عن إبراهيم قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : أرض كذا وكذا يطيقون من الخراج أكثر مما عليهم فقال : ليس إليهم سبيل انتهى .
قوله : وقد صح أن الصحابة Bهم اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها قلت : قال البيهقي في " كتاب المعرفة " : قال أبو يوسف : القول ما قاله أبو حنيفة : إنه كان لابن مسعود وخباب بن الأرت والحسين بن علي ولشريح أرض الخراج حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب : إني اشتريت أرضا من أرض السواد فقال عمر : أنت فيها مثل صاحبها انتهى . قال البيهقي : وأخبرنا أبو سعيد ثنا أبو العباس الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفإن ثنا يحيى بن آدم ثنا حسن بن صالح عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : أسلمت امرأة من أهل نهر الملك فكتب عمر بن الخطاب : إن اختارت أرضها فأدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها وإلا فخلوا بين المسلمين وبين أرضهم انتهى . وهذا رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن دهقانة من أهل نهر الملك أسلمت فقال عمر : ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج انتهى .
- أثر آخر : قال ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " : حدثنا هشيم بن بشير عن سيار أبي الحكم ( 6 ) عن زبير بن عدي أن دهقانا أسلم على عهد علي فقال علي : إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك فأخذناها من أرضك وإن تحولت عنها فنحن أحق بها انتهى .
- أثر آخر : قال ابن أبي شيبة : حدثنا حفص بن غياث عن محمد بن قيس عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن عمر وعلي قالا : إذا أسلم وله أرض وضعنا عنه الجزية وأخذنا خراجها انتهى .
_________ .
( 1 ) عند مسلم في " الجهاد - باب فتح مكة " ص 102 - ج 2 .
( 2 ) عند البخاري في " الجهاد " ص 449 - ج 1 ، وعند مسلم في " الصلاة " ص 249 - ج 1 .
( 3 ) عند مسلم في " الحج - باب النهي عن حمل السلاح بمكة " ص 434 - ج 1 ، وعند البخاري في " كتاب العلم - باب كتابة العلم " ص 22 - ج 1 ، وفي " اللقطة - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة " ص 328 - ج 1 .
( 4 ) عند مسلم في " الحج في تحريم مكة " ص 438 - ج 1 ، وعند البخاري في " الحج - باب لا يعضد شجر الحرم " ص 247 - ج 1 .
( 5 ) عند البخاري في " مناقب عثمان - باب قصة البيعة " ص 523 - ج 1 .
( 6 ) سيار أبي الحكم راجع ترجمته في " التهذيب " ص 293 - ج 4 ، وفي " فتح القدير " شيبان بن الحكم وهو تصحيف