44216 - عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال : كان علي يخطب فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ؟ ومن أهل الفرقة ؟ ومن أهل السنة ؟ ومن أهل البدعة ؟ فقال : ويحك أما إذ سألتني فافهم عني ولا عليك أن لا تسأل عنها أحدا بعدي فأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله فأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ومن اتبعني وإن كثروا وأما أهل السنة المتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا وإن قلوا وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج وعلى الله قصمها واستئصالها عن جدبة الأرض .
فقام إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فيء لنا وولده .
فقام رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال : يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت في الرعية .
فقال علي : ولم - ويحك ؟ .
قال : لأنك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية .
فقال علي : يا أيها الناس من كان به جراحة فليداوها بالسمن .
فقال عباد : جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات .
فقال له علي : إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف .
فقال رجل من القوم : ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ .
فقال : رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها .
قال : فيموت أو يقتل ؟ .
قال : بلى [ بل ؟ ؟ ] يقصمه قاصم الجبارين قتله بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي أما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشدة وولدوا على الفطرة وإنما لكم ما حوى عسكرهم وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه وإن كف عنا لم تحمل [ نحمل ؟ ؟ ] عليه ذنب غيره . يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أهل مكة قسم ما حوى العسكر ولم يعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل . يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق فمهلا مهلا رحمكم الله فإن أنتم لم تصدقوني وأكثرتم علي - وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد - فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه ؟ .
قالوا أينا يا أمير المؤمنين بل أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا ونحن نستغفر الله وتنادى الناس من كل جانب : أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد والسداد .
فقام عمار فقال : يا أيها الناس إنكم والله إن اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيس شعرة وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وسلّم المنايا والوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به إكراما منه لنبيه صلى الله عليه وسلّم حيث أعطاه الله ما لم يعطه أحدا من خلقه .
ثم قال علي : انظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي من الجاهل الخسيس الأخس فإني حاملكم - إن شاء الله تعالى إن أطعتموني - على سبيل الجنة وإن كان ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة وإن الدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها . . . ؟ ؟ من الشقوة والندامة عما قليل ثم إني مخبركم أن خيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليلا منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم وأما عائشة فأدركها رأي النساء وشيء كان في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل ولو دعيت لتنال من غير ما أتت إلي لم تفعل ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء ويعذب عمن يشاء .
فرضى بذلك أصحابه وسلموا لأمره بعد اختلاط شديد فقالوا : يا أمير المؤمنين حكمت والله فينا بحكم الله أنا [ إنا ؟ ؟ ] جهلنا ومع جهلنا لم نأت ما يكره أمير المؤمنين : وقال ابن يساف الأنصاري : .
إن رأيا رأيتموه سفاها . . . لخطأ الإيراد والإصدار .
ليس زوج النبي تقسم فيئا . . . ذلك زيغ القلوب والأبصار .
فاقبلوا اليوم ما يقول علي . . . لا تناجوا بالإثم في الإسرار .
ليس ما ضمت البيوت بفيء . . . إنما الفيء ما تضم الأوار .
من كراع في عسكر وسلاح . . . ومتاع يبيع أيدي التجار .
ليس في الحق قسم ذات نطاق . . . لا ولا أخذكم لذات خمار .
ذاك هو فيئكم خذوه وقولوا . . . قد رضينا لا خير في الأكثار .
إنها أمكم وإن عظم الخط . . . ب [ الخطب ] وجاءت بزلة وعثار .
فلها حرمة النبي وحقا . . . ق [ وحقاق ] علينا من سترها ووقار .
( الأوار : كغراب : حر النار والشمس والعطش والدخان واللهب . أ هـ صفحة 23 المختار . ب ) .
فقام عباد بن قيس وقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإيمان فقال : نعم إن الله ابتدأ الأمور فاصطفى لنفسه ما شاء واستخلص ما أحب فكان مما أحب أنه ارتضى الإسلام واشتقه من اسمه فنحله من أحب من خلقه ثم شقه فسهل شرائعه لمن ورده وعزز أركانه على من حاربه هيهات من أن يصطلمه مصطلم جعله سلما لمن دخله ونورا لمن استضاء به وبرهانا لمن تمسك به ودينا لمن انتحله وشرفا لمن عرفه وحجة لمن خاصم به وعلما لمن رواه وحكمة لمن نطق به وحبلا وثيقا لمن تعلق به ونجاة لمن آمن به فالإيمان أصل الحق والحق سبيل الهدى وسيفه جامع الحلية قديم العدة الدنيا مضماره والغنيمة حليته فهو أبلج منهاج وأنوار سراج وأرفع غاية وأفضل دعية بشير لمن سلك قصد الصادقين واضح البيان عظيم الشأن الأمن منهاجه والصالحات مناره والفقه مصابيحه والمحسنون فرسانه فعصم السعداء بالإيمان وخذل الأشقياء بالعصيان من بعد اتجاه الحجة عليهم بالبيان إذ وضح لهم منار الحق وسبيل الهدى فالإيمان يستدل به على الصالحات وبالصالحات يعمر الفقه وبالفقه يرهب الموت وبالموت يختم الدنيا وبالدنيا تخرج الآخرة وفي القيامة حسرة أهل النار وفي ذكر أهل النار موعظة أهل التقوى والتقوى غاية لا يهلك من أتبعها ولا يندم من عمل بها لأن بالتقوى فاز الفائزون وبالمعصية خسر الخاسرون فليزدجر أهل النهى وليتذكر أهل التقوى فإن الخلق لا مقصر لهم في القيامة دون الوقوف بين يدي الله مرفلين في مضمارها نحو القصبة العليا إلى الغاية القصوى مهطعين بأعناقهم نحو داعيها قد شخصوا من مستقر الأجداث والمقابر إلى الضرورة أبدا لكل دار أهلها .
قد انقطعت بالأشقياء الأسباب وأفضوا إلى عدل الجبار فلا كرة لهم إلى دار الدنيا فتبرؤا من الذين آثروا طاعتهم على طاعة الله وفاز السعداء بولاية الإيمان فالإيمان يا ابن قيس على أربع دعائم : الصبر واليقين والعدل والجهاد فالصبر من ذلك على أربع دعائم : الشوق والشفق والزهد والترقب فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات .
واليقين من ذلك على أربع دعائم : تبصرة الفتنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين فاهتدى إلى التي هي أقوم .
والعدل من ذلك على أربع دعائم : غائص الفهم وغمرة العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم فمن فهم فسر جميع العلم ومن علم عرف شرائع الحكم ومن عرف شرائع الحكم لم يضل ومن حلم لم يفرط أمره وعاش في الناس حميدا .
والجهاد من ذلك على أربع دعائم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ومن شنأ المنافقين وغضب لله غضب الله له .
فقام إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الكفر على ما بنيء ؟ ؟ كما أخبرتنا عن الإيمان .
قال : نعم يا أبا اليقظان بني الكفر على أربع دعائم : على الجفاء والعمى والغفلة والشك فمن جفا فقد احتقر الحق وجهر بالباطل ومقت العلماء وأصر على الحنث العظيم ومن عمي نسي الذكر واتبع الظن وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة ومن غفل حاد عن الرشد وغرته الأماني وأخذته الحسرة والندامة وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب ومن عتا في أمر الله شك ومن شك تعالى عليه فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما فرط في أمره فاغتر بربه الكريم والله أوسع بما لديه من العفو والتيسير فمن عمل بطاعة الله اجتلب بذلك ثواب الله ومن تمادى في معصية الله ذاق وبال نقمة الله فهنيئا لك يا أبا اليقظان عقبى لا عقبى غيرها وجنات لا جنات بعدها .
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين حدثنا عن ميت الأحياء .
قال : نعم إن الله بعث النبيين مبشرين ومنذرين فصدقهم مصدقون وكذبهم مكذبون فيقاتلون من كذبهم بمن صدقهم فيظهرهم الله ثم يموت الرسل فتخلف خلوف فمنهم منكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك استكمل خصال الخير ومنهم منكر للمنكر بلسانه وقلبه تارك له بيده فذلك خصلتان من خصال الخير تمسك بهما وضيع خصلة واحدة وهي أشرفها ومنهم منكر للمنكر بقلبه تارك له بيده ولسانه فذلك ضيع شرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة ومنهم تارك له بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الأحياء .
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا على ما قاتلت طلحة والزبير ؟ .
قال : قاتلتهم على نقضهم بيعتي وقتلهم شيعتي من المؤمنين حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس والسائحة والاساورة بلا حق استوجبوه منهما ولا كان ذلك لهما دون الإمام ولو أنهما فعلا ذلك بأبي بكر وعمر لقاتلاهما ولقد علم من ههنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم أن أبا بكر لم يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو كاره ولم يكونوا بايعوه بعد الأنصار فما بالي وقد بايعاني طائعين غير مكرهين ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة واليمن فلما لم أولهما وجاءهما الذي غلب من حبهما للدنيا وحرصهما عليها خفت أن يتخذا عباد الله خولا ومال المسلمين لأنفسهما فلما زويت ذلك عنهما وذلك بعد أن جربتهما واحتججت عليهما .
فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو ؟ .
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إنما أهلك الله الأمم السالفة قبلكم بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول الله D { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله D فمن نصرهما نصره الله ومن خذلهما خذله الله وما أعمال البر والجهاد في سبيله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كبقعة في بحر لجي فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق وأفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر وإن الأمر لينزل من السماء إلى الأرض كما ينزل قطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال فإذا أصاب أحدكم نقصانا في شيء من ذلك ورأى الآخر ذا يسار لا يكونن له فتنة فإن المرء المسلم البريء من الخيانة لينتظر من الله إحدى الحسنيين : إما من عند الله فهو خير واقع وإما رزق من الله ياتيه عاجل فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام .
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أحاديث البدع .
قال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إن أحاديث ستظهر من بعدي حتى يقول قائلهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل ذلك افتراء علي والذي بعثني بالحق لتفترقن أمتي على أصل دينها وجماعتها على ثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة مضلة تدعو إلى النار فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله D فإن فيه نبأ ما كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم والحكم فيه بين من خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين ونوره المبين وشفاؤه النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يموج فيقام ولا يزيغ فيتشعب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلقه كثرة الرد هو الذي سمعته الجن فلم تناه أو ؟ ؟ ولوا إلى قومهم منذرين قالوا : يا قومنا { إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد } من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم .
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة هل سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ .
قال : نعم إنه لما نزلت هذه الآية من قول الله D : { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلى الله عليه وسلّم حي بين أظهرنا فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي قلت : يا رسول الله أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحزنت على الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي : أبشر يا صديق فإن الشهادة من ورائك فقال لي : فإن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا وأهوى بيده إلى لحيتي ورأسي فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ليس ذلك من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر فقال لي : أجل ثم قال لي : يا علي إنك باق بعدي ومبتلي بأمتي ومخاصم يوم القيامة بين يدي الله تعالى فأعدد جوابا فقلت : بأبي أنت وأمي بين لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها وعلى ما أجاهدهم بعدك ؟ .
( يتبع . . . )