44213 - حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري حدثنا موسى ابن عقبة قال : هذه خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه الذي بطاعته يكرم أولياؤه وبمعصيته يضل أعداؤه فليس لهالك هلك معذرة في فعل ضلالة حسبها هدى ولا في ترك حق حسبه ضلالة وإن أحق ما تعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بما لله عليه من وظائف دينهم الذي هداهم الله له وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به من طاعته وننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته وأن نقيم فيكم أمر الله D في قريب الناس وبعيدهم ولا نبالي على من مال الحق وقد علمت أن أقواما يتمنون في دينهم فيقولون : نحن نصلي مع المصلين ونجاهد مع المجاهدين وننتحل الهجرة وكل ذلك يفعله أقوام لا يحملونه بحقه .
وإن الإيمان ليس بالتحلي وإن للصلاة وقتا اشترطه الله فلا تصلح إلا به فوقت صلاة الفجر حين يزايل المرء ليله ويحرم على الصائم طعامه وشرابه فآتوها حظها من القرآن ووقت صلاة الظهر إذا كان القيظ فحين تزيغ عن الفلك حتى يكون ظلك مثلك وذلك حين يهجر المهجر فإذا كان الشتاء فحين تزيغ عن الفلك حتى تكون على حاجبك الأيمن مع شروط الله في الوضوء والركوع والسجود وذلك لئلا ينام عن الصلاة ووقت صلاة العصر والشمس بيضاء نقية قبل أن تصفار قدر ما يسير الراكب على الجمل الثقال فرسخين قبل غروب الشمس وصلاة المغرب حين تغرب الشمس ويفطر الصائم وصلاة العشاء حين يعسعس الليل وتذهب حمرة الأفق إلى ثلث الليل فمن رقد قبل ذلك فلا أرقد الله عينيه هذه مواقيت الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا .
ويقول الرجثي : قد هاجرت ولم يهاجر وإن المهاجرين الذين هجروا السيئات ويقول أقوام : جاهدنا وإن الجهاد في سبيل الله مجاهدة العدو واجتناب الحرام وقد يقاتل أقوام يحسنون القتال لا يريدون بذلك الأجر ولا الذكر وإنما القتل حتف من الحتوف وكل امرئ على ما قاتل عليه وإن الرجل ليقاتل بطبيعته من الشجاعة فينجي من يعرف ومن لا يعرف وإن الرجل ليجبن بطبيعته فيسلم أباه وأمه وإن الكلب ليهر ( ليهر : هرير الكلب : صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد . وقد هر يهر - بالكسر - هريرا . أ هـ صفحة 550 المختار . ب ) من وراء أهله .
واعلموا أن الصوم حرام يجتذب فيه أذى المسلمين كما يمنع الرجل من لذته من الطعام والشراب والنساء فذلك الصيام التام وإيتاء الزكاة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم طيبة بها أنفسهم فلا يرون عليها برا فافهموا ما توعظون به فإن الحرب من حرب دينه وإن السعيد من وعظ بغيره وإن الشقى من شقى في بطن أمه وإن شر الأمور مبتدعاتها وإن الاقتصاد في سنة خير من الاجتهاد في بدعة وإن للناس نفرة عن سلطانهم فعائذ بالله أن يدركني وإياكم ضغائن مجبولة وأهواء مشبعة ودنيا مؤثرة وقد خشيت أن تركنوا إلى الذين ظلموا فلا تطمئنوا إلى من أوتى مالا وعليكم بهذا القرآن فإن فيه نورا وشفاء وغيره الشقاء وقد قضيت الذي علي فيما ولاني الله D من أموركم ووعظتكم نصحا لكم وقد أمرنا لكم بأرزاقكم وقد جندنا لكم جنودكم وهيأنا لكم مغازيكم وأثبتنا لكم منازلكم ووسعنا لكم ما بلغ فيكم وما قاتلتم عليه بأسيافكم فلا حجة لكم على الله بل لله الحجة عليكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
( . . . )