37446 - { مسند عمر } عن محمد بن مزاحم أن عمر بن الخطاب كان استعمل بعد موت أبي عبيدة بن الجراح على حمص عمير بن سعد الأنصاري فأقام بها سنة فكتب إليه عمر بن الخطاب : إنا بعثناك على عمل من أعمالنا فما ندري أوفيت بعهدنا أم خنتنا ؟ فإذا جاءك كتابي هذا فانظر ما اجتمع عندك من الفيء فاحمله إلينا والسلام . فقام عمير حين انتهى إليه الكتاب فحمل عكازته وعلق فيها إداوته وجرابه فيه طعامه وقصعته فوضعها على عاتقه حتى دخل على عمر فسلم فرد عليه السلام - وما كاد أن يرد - فقال : يا عمير ما لي أرى بك من سوء الحال أمرضت بعدي أم بلادك سوء أم هي خديعة منك لنا ؟ .
فقال عمير : ألم ينهك الله عن التجسس ؟ ما ترى في سوء الحال ؟ ألست طاهر الدم صحيح البدن قد جئتك بالدنيا أحملها على عاتقي ؟ قال : يا أحمق وما الذي جئت به من الدنيا ؟ قال : جرابي فيه طعامي وإداوتي فيها وضوئي وشرابي وقصعتي فيها أغسل رأسي وعكازتي بها أقاتل عدوي وأقتل بها حية إن عرضت لي قال صدقت يرحمك الله فما فعل المسلمون ؟ قال : تركتهم يوحدون ويصلون ولا تسأل عما سوى ذلك قال : فما فعل المعاهدون ؟ قال : أخذنا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون قال فما فعلت فيما أخذت منهم ؟ وما أنت وذاك يا عمر اجتهدت واختصصت نفسي ولم آل أني لما قدمت بلاد الشام وجمعت من بها من المسلمين فاخترنا منهم رجلا فبعثناهم على الصدقات فنظرنا إلى ما اجتمع فقسمناه بين المهاجرين وبين فقراء المسلمين فلو كان عندنا فضل لبلغناك فقال : يا عمير جئت تمشي على رجليك ؟ أما كان فيهم رجل يتبرع لك بدابة ؟ فبئس المسلمون وبئس المعاهدون أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ليلينهم رجال إن هم سكتوا أضاعوهم وإن هم تكلموا قتلوهم وسمعته يقول : لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم .
فقال : يا عبد الله بن عمر هات صحيفة نجدد لعمير عهدا قال : لا والله لا أعمل لك على شيء أبدا : قال : لم ؟ قال : لأني لم أنج وما نجوت لأني قلت لرجل من أهل العهد : أخزاك الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : أنا ولي خصم المعاهد واليتيم ومن خاصمته خصمته . فما يؤمنني أن يكون محمد صلى الله عليه وسلّم خصمي يوم القيامة ومن خاصمه خصمه فقام عمر وعمير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال عمير : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر ماذا لقيت بعدكما اللهم الحقني بصاحبي لم أغير ولم أبدل وجعل يبكي عمر وعمير طويلا فقال : عمير الحق بأهلك ثم قدم على عمر مال من الشام فدعا رجلا من أصحابه يقال له حبيب فصر مائة دينار فدفعها إليه فقال : ائت بها عميرا وأقم ثلاثة أيام ثم ادفعها إليه وقل : استعن بها على حاجتك - وكان منزله من المدينة مسيرة ثلاثة أيام - وانظر ما طعامه وما شرابه .
فقدم حبيب فإذا هو بفناء بابه يتفلى فسلم عليه فقال : إن أمير المؤمنين ؟ يقرئك السلام قال : عليك وعليه السلام قال : كيف تركت أمير المؤمنين ؟ قال : صالحا قال : لعله يجور في الحكم ؟ قال : لا قال : فلعله يرتشي ؟ قال : لا قال : فلعله يضع السوط في أهل القبلة قال : لا إلا أنه ضرب ابنا له فبلغ به حدا فمات فيها اللهم اغفر لعمر فإني لا أعلم إلا أنه يحبك ويحب رسولك ويحب أن يقيم الحدود فأقام عنده ثلاثة أيام يقدم إليه كل ليلة قرصا بإدامه زيت حتى إذا كان اليوم الثالث قال : ارحل عنا فقد أجعت أهلنا إنما كان عندنا فضل آثرناك به فقال : هذه الصرة أرسل بها إليك أمير المؤمنين أن تستعين بها على حاجتك فقال : هاتها فلما قبضها عمير قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم أبتل بالدنيا وصحبت أبا بكر فلم أبتل بالدنيا وصحبت عمر وشر أيامي يوم لقيت عمر - وجعل يبكي فقالت امرأته من ناحية البيت : لا تبك يا عمير ضعها حيث شئت : فاطرحي إلي بعض خلقانك ( خلقانك : يقال : ملحفة خلق وثوب خلق أي : بال : يستوي فيه المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس والجمع خلقان . المختار 146 . ب ) .
فطرحت إليه بعض خلقانها فصر الدنانير بين أربعة وخمسة وستة فقسمها بين الفقراء وابن السبيل حتى قسمها كلها ثم قدم حبيب على عمر فأخبره الخبر قال ما فعلت الدنانير ؟ قال : فرقها كلها قال : فلعل على أخي دينا قال : فاكتبوا إليه حتى يقبل إلينا فقدم عمير على عمر فسأله فقال : يا عمير ما فعلت الدنانير ؟ قال : قدمتها لنفسي وأقرضتها ربي وما كنت أحب أن يعلم بها أحد قال : يا عبد الله بن عمر قم فارحل له راحلة من تمر الصدقة فأعطها عميرا وهات ثوبين فتكسوهما إياه فقال عمير : أما الثوبان فنقبلهما وأما التمر فلا حاجة لنا فيه . فإني تركت عند أهلي صاعا من تمر وهو يبلغهم إلى يوم ما قال : فانصرف عمير إلى منزله فلم يلبث إلا قليلا حتى مات فبلغ ذلك عمر فقال : رحم الله عميرا ثم قال لأصحابه تمنوا فتمنى كل رجل أمنيته فقال عمر : ولكني أتمنى أن يكون رجال مثل عمير فاستعين بهم على أمور المسلمين .
( كر )