35906 - { مسند عمر } عن الليث بن سعد أن الناس بالمدينة أصابهم جهد ( جهد : الجهد - بالفتح المشقة . وفي حديث أم معبد ( شاء خلفها الجهد عن الغنم ) أي الهزال . النهاية 1 / 320 . ب ) شديد في خلافة عمر بن الخطاب في سنة الرمادة فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص سلام أما بعد فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي فيا غوثاه ثم يا غوثاه - يردده قوله . فكتب إليه عمرو بن العاص : لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص أما بعد فيا لبيك ثم يا لبيك وقد بعثت إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته فبعث عمرو إليه بعير عظيمة فكان أولها بالمدينة وآخرها بمصر يتبع بعضها بعضا فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرا بما عليه من الطعام وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد ابن أبي وقاص يقسمونها على الناس فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيرا بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه ويحتذوا جلده وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره فوسع الله بذلك على الناس .
فلما رأى ذلك عمر حمد الله وكتب إلى عمرو بن العاص يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر فقدموا عليه فقال عمر : يا عمرو إن الله قد فتح على المسلمين مصر وهي كثيرة الخير والطعام وقد ألقي في روعي ( روعي : الروع - بالضم - القلب والعقل يقال : وقع ذلك في روعي أي : في خلدي وبالي . وفي الحديث ( إن الروح الأمين نفث في روعي ) . المختار 209 . ب ) لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين والتوسع عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين أن أحفر خليجا من نيلها حتى يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة فإن حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ منه ما نريد فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا على ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر ثقل ذلك عليهم وقالوا : نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على أهل مصر فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له : إن هذا الأمر لا يعتدل ولا يكون ولا نجد إليه سبيلا .
فرجع عمرو إلى عمر فضحك عمر حين رآه وقال : والذي نفسي بيده لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرتك به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم وقالوا : يدخل في هذا ضرر على أهل مصر فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له : إن هذا الأمر لا يعتدل ولا يكون ولا نجد إليه سبيلا فعجب عمرو من قول عمر وقال : صدقت والله يا أمير المؤمنين لقد كان الأمر على ما ذكرت فقال له عمر : انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجد في ذلك ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله فانصرف عمرو وجمع لذلك من الفعلة ( الفعلة : محركة - صفة غالبة على عملة الطين والحفر ونحوه . القاموس 4 / 32 . ب ) ما بلغ منه ما أراد وحفر الخليج الذي في جانب الفسطاط الذي يقال له : ( خليج أمير المؤمنين ) فساقه من النيل إلى القلزم فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة فنفع الله بذلك أهل الحرمين وسمي ( خليج أمير المؤمنين ) . ثم لم يزل يحمل فيه الطعام حتى حمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز ثم ضيعه الولاة بعد ذلك فترك وغلب عليه الرمل فانقطع فصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية طحاء القلزم .
( ابن عبد الحكم )