35888 - { مسند عمر } عن ابن إسحاق قال : ثم إن قريشا بعثت عمر بن الخطاب وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورسول الله صلى الله عليه وسلّم في دار في أصل الصفا ولقيه النحام وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد أخو بني عدي بن كعب قد أسلم قبل ذلك وعمر متقلد سيفه فقال : يا عمر أين تراك تعمد ؟ فقال : أعمد إلى محمد هذا الذي سفه أحلام قريش وسفه آلهتها وخالف جماعتها فقال له النحام : لبئس الممشى مشيت يا عمر ولقد فرطت وأردت هلكة بني عدي بن كعب أو تراك سلمت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا صلى الله عليه وسلّم فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما فقال له عمر : إني لأظنك صبؤت ( صبوت : كان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم : قد صبأ عنوا أنه خرج من دين إلى دين .
وقد صبأ يصبأ صبأ وصبوءا وصبؤ يصبؤ صبأ وصبوءا كلاهما : خرج من دين إلى دين آخر كما تصبأ النجوم أي تخرج من مطالعها . لسان العرب 1 / 108 . ب ) ولو أعلم ذلك لبدأت بك فلما رأى النحام أنه غير منته قال : فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال : وأيهم ؟ قال : ختنك وابن عمك وأختك فانطلق عمر حتى أتى أخته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السعة فيقول : عندك فلان فوافق عليه ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم خباب بن الأرت مولى ثابت ابن أم أنمار حليف بني زهرة وقد أنزل الله D { طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم دعا ليلة الخميس فقال : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام فقال ابن عم عمر وأخته : نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعمر فكانت .
قال : فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها فإذا خباب بن الأرت عند أخت عمر يدرس عليها ( طه ) وتدرس عليه ( إذا الشمس كورت . ) وكان المشركون يدعون الدراسة الهينمة ( الهينمة : وفي حديث إسلام عمر Bه ( إنه أتى منزل أخته فاطمة امرأة سعيد بن زيد وعندها خباب وهو يعلمها سورة طه فاستمع على الباب فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ ) هي الصوت الخفي والهينمان والهينوم والهنم مثلها . الفائل 4 / 110 . ب ؟ ؟ ) فدخل عمر فلما أبصرته أخته عرفت الشر في وجهه فخبأت الصحيفة وراغ ( وراغ : راغ إلى كذا : مال إليه سرا وجاد . المختال 210 ) خباب فدخل البيت .
فقال عمر لأخته : ما هذه الهينمة في بيتك ؟ قالت : ما عدا حديثا نتحدث به بيننا فعذلها وحلف أن لا يخرج حتى تبين شأنها فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك يا عمر وإن كان الحق سواه فبطش به عمر فوطئه وطأ شديدا وهو غضبان فقامت إليه أخته تحجزه عن زوجها فنفحها ( فنفحها : النفح : الضرب والرمي . النهاية 5 / 89 . ب ) عمر بيده فشجها فلما رأت الدم قالت : هل تسمع يا عمر أرأيت كل شيء بلغك عني مما تذكره من تركي آلهتك وكفري باللات والعزى فهو حق أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فائتمر أمرك واقض ما أنت قاض فلما رأى ذلك عمر سقط في يديه فقال عمر لأخته : أرأيت ما كنت تدرسين أعطيك موثقا من الله لا أمحوها حتى أردها إليك ولا أريبك فيها فلما رأت ذلك أخته ورأت حرصه على الكتاب رجت أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم له قد لحقته فقالت : إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون ولست آمنك على ذلك فاغتسل غسلك من الجنابة وأعطني موثقا تطمئن إليه نفسي ففعل عمر فدفعت إليه الصحيفة وكان عمر يقرأ الكتاب فقرأ ( طه . - حتى بلغ : إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى . - إلى قوله : فتردى . ) وقرأ ( إذا الشمس كورت - حتى إذا بلغ : علمت نفس ما أحضرت . ) فأسلم عند ذلك عمر فقال لأخته وختنه : كيف الإسلام ؟ قالا : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع الأنداد وتكفر باللات والعزى ففعل ذلك عمر .
فخرج خباب وكان في البيت داخلا فكبر خباب وقال : أبشر يا عمر بكرامة الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد دعا لك أن يعز الله الإسلام بك فقال عمر : دلوني على المنزل الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له خباب بن الأرت : أنا أخبرك فأخبر أنه في الدار التي في أصل الصفا : فأقبل عمر وهو حريص على أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن عمر يطلبه ليقتله ولم يبلغه إسلامه فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمر متقلدا بالسيف أشفقوا منه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجل القوم فقال : افتحوا له فإن كان الله يريد بعمر خيرا اتبع الإسلام وصدق الرسول وإن كان يريد غير ذلك يكن قتله علينا هينا .
فابتدره رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورسول الله صلى الله عليه وسلّم داخل البيت يوحي إليه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين سمع صوت عمر وليس عليه رداء حتى أخذ بمجمع قميص عمر وردائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ما أراك منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة ثم قال : اللهم اهد عمر فضحك عمر فقال : يا نبي الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلا وإحدى عشرة امرأة .
( كر )