35560 - المعافى بن زكريا القاضي حدثنا الحسن بن علي بن زكريا العدوي أبو سعيد البصري حدثنا أحمد بن محمد المكي أبو بكرحدثنا محمد بن عبد الرحمن المديني عن محمد بن عبد الواحد الكوفي حدثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري ( عن عبادة بن الصامت وكان عقيبا بدريا نقيبا أنه قال : بعثني أبو بكر إلى ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه ومعي عمرو بن العاص بن وائل السهمي وهشام بن العاص ابن وائل السهمي وعدي بن كعب ونعيم بن عبد الله النحام فخرجنا حتى قدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق فأدخلنا على ملكهم بها الرومي فإذا هو على فرش له مع الأسقف فأجلسنا وبعث إلينا رسوله وسألنا أن نكلمه فقلنا : لا والله لا نكلمه برسول بيننا وبينه فإن كان له في كلامنا حاجة فليقربنا منه فأمر بسلم فوضع ونزل إلى فرش له في الأرض فقربنا فإذا هو عليه ثياب سود مسوح فقال له هشام بن العاص بن وائل : ما هذه المسوح التي عليك ؟ قال : لبستها ناذرا أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام فقلنا - : قال القاضي : وذكر كلاما خفي علي من كتابي معناه - بل نملك مجلسك وبعده ملككم الأعظم فوالله لنأخذنه إن شاء الله فإنه قد أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلّم الصادق البار قال : إذا أنتم السمراء قال : قلنا : وما السمراء ؟ قال : لستم بها قلنا : ومن هم ؟ قال : الذين يقومون الليل ويصومون النهار قال فقلنا : نحن والله هم قال فقال : وكيف صومكم وصلاتكم وحالكم ؟ فوصفنا له أمرنا فنظر إلى أصحابه وراطنهم ( وراطنهم : الرطانة - بفتح الراء وكسرها - والتراطن : كلام لا يفهمه الجمهور وإنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة والعرب تخص بها غالبا كلام العجم . النهاية 2 / 233 . ب ) وقال لنا : ارتفعوا قال : ثم علا وجهه سواد حتى كأنه قطعة مسح من شدة سواده وبعث معنا رسلا إلى ملكهم الأعظم بالقسطنطينية فخرجنا حتى انتهينا إلى مدينتهم ونحن على رواحلنا علينا العمائم والسيوف فقال لنا الذين معنا : إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم فجئناكم ببراذين وبغال قلنا : لا والله لا ندخلها إلا على رواحلنا فبعثوا إليه يستأذنونه فأرسل إليهم أن خلوا سبيلهم ودخلنا على رواحلنا حتى انتهينا إلى غرفة مفتوحة الباب فإذا هو فيها جالس ينظر قال : فأنخنا تحتها ثم قلنا : لا إله إلا الله والله أكبر فيعلم الله لانتفضت ( لانتفضت : أي تحركت . النهاية 5 / 97 . ب .
وفي الخصائص : فلقد تنقضت . وفي حديث هرقل ( ولقد تنقضت الغرفة ) أي تشققت وجاء صوتها . النهاية 5 / 107 . ب ) حتى كأنها نخلة تصفقها الريح فبعث إلينا رسولا أن هذا ليس لكم أن تجهروا بدينكم في بلادنا وأمر بنا فأدخلنا عليه فإذا هو مع بطارقته وإذا عليه ثياب حمر فإذا فرشه وما حواليه أحمر وإذا رجل فصيح بالعربية يكتب فأومأ إلينا فجلسنا ناحية .
فقال لنا وهو يضحك : ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم فيما بينكم ؟ فقلنا : نرغب بها عنك وأما تحيتك التي لا ترضى إلا بها فإنها لا تحل لنا أن نحييك بها قال : وما تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا : السلام قال : فما كنتم تحيون به نبيكم ؟ قلنا : بها قال : فما كان تحيته هو ؟ قلنا بها قال : فبم تحيون ملككم اليوم قلنا : بها قال : فبم يجيبكم ؟ قلنا : بها قال : فما كان نبيكم يرث منكم ؟ قلنا : ما كان يرث إلا ذا قرابة قال : وكذلك ملككم اليوم ؟ قلنا نعم قال : فما أعظم كلامكم عندكم ؟ قلنا : لا إله إلا الله .
قال : فيعلم الله لانتفض حتى كأنه طير ذو ريش من حسن ثيابه ثم فتح عينيه في وجوهنا قال فقال : هذه الكلمة التي قلتموها حين نزلتم تحت غرفتي ؟ قلنا : نعم قال : كذلك إذا قلتموها في بيوتكم تنفضت لها سقوفكم ؟ قلنا : والله ما رأيناها صنعت هذا قط إلا عندك وما ذاك إلا لأمر أراده الله تعالى قال : ما أحسن الصدق أما والله لوددت أني خرجت من نصف ما أملك وأنكم لا تقولونها على شيء إلا انتفض لها قلنا : ولم ذاك ؟ قال : ذاك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النبوة وأن تكون من حيل ولد آدم .
قال : فماذا تقولون إذا فتحتم المدائن والحصون ؟ قلنا : نقول : لا إله إلا الله والله أكبر قال : تقولون : لا إله إلا الله والله أكبر - ليس غيره شيء ؟ قلنا : نعم قال : تقولون الله أكبر هو أكبر من كل شيء ؟ قلنا نعم قال : فنظر إلى أصحابه فراطنهم ثم أقبل علينا فقال : أتدرون ما قلت لهم ؟ قلت : ما أشد اختلاطهم .
فأمر لنا بمنزل وأجرى لنا نزلا فأقمنا في منزلنا تأتينا ألطافه غدوة وعشية . ثم بعث إلينا فدخلنا عليه ليلا وحده ليس معه أحد فاستعادنا الكلام فأعدناه عليه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة ( الربعة : إناء مربع كالجونة . النهاية 2 / 189 . ب ) ضخمة مذهبة فوضعها بين يديه ثم فتحها فإذا بها بيوت صغار وعليها أبواب ففتح منها بيتا فاستخرج منها خرقة حرير سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء وإذا رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم ير مثل طول عنقه في مثل جسده أكثر الناس شعرا فقال لنا : أتدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا آدم صلى الله عليه وسلّم .
ثم أعاده ففتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فنشرها فإذا بها صورة بيضاء وإذا رجل له شعر كثير كشعر القبط - قال القاضي : أراه قال - ضخم العينين بعيد ما بين المنكبين عظيم الهامة فقال : أتدرون من هذا ؟ قلنا لا قال : هذا نوح صلى الله عليه وسلّم .
ثم أعادها في موضعها وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا بها صورة شديدة البياض وإذا رجل حسن الوجه حسن العينين شارع الأنف سهل الخدين أشيب الرأس أبيض اللحية كأنه حي يتنفس فقال : أتدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلّم .
ثم أعادها وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة محمد صلى الله عليه وسلّم فقال : تدرون من هذا ؟ قلنا : هذا محمد صلى الله عليه وسلّم - وبكينا فقال : بدينكم أنه محمد ؟ قلنا : نعم بديننا أنها صورته كأنما ننظر إليه حيا . قال : فاستخف حتى قام على رجليه قائما ثم جلس فأمسك طويلا فنظر في وجوهنا فقال : أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لأنظر ما عندكم .
فأعاده وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة رجل جعد أبيض قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان مقلص الشفة كأنه من رجال أهل البادية فقال : تدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا موسى وإلى جانبه صورة شبيهة به رجل مدر الرأس عريض الجبين بعينيه قبل ( قبل : هو إقبال السواد على الأنف . وقيل : هو ميل كالحول . النهاية 4 / 9 . ب ) قال : تدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا هارون .
فأعادها وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل شبه المرأة ذو عجيزة وساقين قال : تدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : داود .
فأعادها وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة بيضاء فإذا رجل أوقص قصير الظهر طويل الرجلين على فرس لكل شيء منه جناح قال : تدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : هذا سليمان وهذه الريح تحمله .
ثم أعادها وفتح بيتا آخر فيه خرقة حرير خضراء فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل شاب حسن الوجه حسن العينين شديد سواد اللحية يشبه بعضه بعضا فقال : أتدرون من هذا ؟ قلنا : لا قال : عيسى ابن مريم فأعادها وأطبق الربعة .
قال قلنا : أخبرنا عن قصة الصور ما حالها ؟ فإنا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم فإنا رأينا نبينا صلى الله عليه وسلّم يشبه صورته قال : أخبرت أن آدم سأل ربه أن يريه أنبياء بنيه فأنزل عليه صورهم فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس فصورها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور فهي هذه بعينها . أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي فتابعتكم على دينكم وأن أكون عبدا لأسوئكم ملكة ولكن نفسي لا تطيب .
فأجازنا فأحسن جوائزنا وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا فانصرفنا إلى رحالنا .
قال القاضي : قد كنا أملينا هذا الخبر من وجه آخر ومعاني الخبرين متقاربة ولما حضرنا هذا الخبر من هذا الطريق رسمناه ههنا وقد تضمن ما يدل على صدق نبينا وصحة نبوته على كثرة الأخبار والروايات فيه وشهادة الكتب السالفة مع تأييد الله D اسمه إياه بالمعجزات التي أظهرها على يده والأعلام الشاهدة له .
( كر )