35559 - عن عمر بن صيح عن ثور بن يزيد عن مكحول عن شداد ابن أوس قال : بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل من بني عامر وهو سيد قومه وكبيرهم ومديرهم ( ومدرهم : في حديث شداد بن أوس ( إذ أقبل شيخ من بني عامر هو مدره قومه ) المدره : زعيم القوم وخطيبهم والمتكلم عنهم والذين يرجعون إلى رأيه . النهاية 4 / 310 . ب ) يتوكأ على عصاه فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم ونسب النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جده فقال : يا ابن عبد المطلب إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ألا وإنك قد تفوهت بعظيم إنما كانت الأنبياء والملوك في بيتين من بني إسرائيل : بيت نبوة وبيت ملك فلا أنت من هؤلاء ولا أنت من هؤلاء إنما أنت رجل من العرب فما لك والنبوة ولكن لكل أمر حقيقة فأنبئني بحقيقة قولك وشأنك .
فأعجب النبي صلى الله عليه وسلّم مسألته ثم قال : يا أخا بني عامر إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ ومجلسا فاجلس فثنى رجله وبرك كما يبرك البعير .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم : يا أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدء شأني دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ابن مريم وإني كنت بكر أمي وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء حتى جعلت تشتكي إلى صواحبها ثقل ما تجد وإن أمي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور قالت : فجعلت أتبع بصري النور فجعل النور يسبق بصري حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها فلما نشأت بغضت إلي الأوثان وبغض إلي الشعر واسترضع لي في ديني جشم بن بكر .
فبينا أنا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان إذ أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب ملآن من ثلج فأخذوني من بين أصحابي وانطلق أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم أقبلوا على الرهط فقالوا : ما لكم ولهذا الغلام ؟ إنه غلام ليس منا وهو ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب فماذا يرد عليكم قتله ؟ ولئن كنتم لا بد فاعلين فاختاروا منا أينا شئتم فليأتكم فاقتلوه مكانه ودعوا هذا الغلام فلم يجيبوهم .
فلما رأى الصبيان أن القوم لا يجيبونهم انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم به ويستصرخونهم على القوم فعمد إلي أحدهم فأضجعني إلى الأرض إضجاعا لطيفا ثم شق ما بين صدري إلى متن عانتي وأنا أنظر فلم أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني فغسله بذلك الثلج فأنعم غسله ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني فقال لصاحبه : تنح ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي وأنا أنظر فصدعه فأخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ثم قال بيده كأنه يتناول شيئا فإذا أنا بخاتم في يده من نور يخطف أبصار الناظرين دونه فختم على قلبي فامتلأ نورا وحكمة ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ثم قام الثالث فنحى صاحبيه فأمر بيده بين ثديي ومنتهى عانتي والتأم ذلك الشق بأذن الله ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا فقال الأول الذي شق بطني : زنوه بعشرة من أمته فوزنوني فرجحتهم ثم قال : زنوه بمائة من أمته فوزنوني فرجحتهم ثم قال : زنوه بألف من أمته فوزنوني فرجحتهم ثم قال : دعوه فلو وزنتموه بأمته جميعا لرجح بهم ثم قاموا إلي فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا : يا حبيب لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك .
فبينما نحن كذلك إذ أقبل الحي بحذافيرهم وإذا ظئري ( ظئري : الظئر : المرضعة غير ولدها . ويقع على الذكر والأنثى . النهاية 3 / 155 . ب ) أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول : يا ضعيفاه فأكبوا علي يقبلوني ويقولون : يا حبذا أنت من ضعيف ثم قالت : يا وحيداه فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقالوا : يا حبذا أنت من وحيد ما أنت بوحيد إن الله معك وملائكته والمؤمنون من أهل الأرض ثم قالت : يا يتيماه استضعفت من بين أصحابك فقلت لضعفك فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وقالوا : يا حبذا أنت من يتيم ما أكرمك على الله تعالى لو تعلم ماذا يراد بك من الخير فوصلوا إلى شفير الوادي فلما بصرت بي ظئري قالت : يا بني ألا أراك حيا بعد ؟ فجاءت حتى أكبت علي فضمتني إلى صدرها فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها وإن يدي لفي يد بعضهم وظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم .
فجاء بعض الحي فقال : هذا غلام أصابه لمم أو طائف من الجن فانطلقوا بنا إلى الكاهن ينظر إليه ويداويه فقلت له : يا هذا ليس بي شيء مما تذكرون إن لي نفسا سليمة وفؤادا صحيحا وليس بي قلبة فقال أبي - وهو زوج ظئري : ألا ترون كلامه صحيحا ؟ إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس فاتفق القوم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه فقصوا عليه قصتي فقال اسكتوا حتى أسمع من الغلام فإنه أعلم بأمر [ ؟ ؟ ] فقصصت عليه أمري من أوله إلى آخره فلما سمع مقالتي ضمني إلى صدره ونادى بأعلى صوته : يا للعرب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فو اللات والعزى لئن تركتموه ليبذلن دينكم وليسفهن أحلامكم وأحلام آبائكم وليخالفن أمركم وليأتينكم بدين لم تسموا بمثله .
فانتزعته ظئري من يده وقالت : لأنت أعته منه وأجن ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به ثم احتملوني ما ردوني إلى أهلي فأصبحت مغموما مما دخل بي وأصبح أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه شراك . فذاك حقيقة قولي وبدء شأني .
فقال العامري : أشهد أن لا إله إلا الله وأن أمرك حق فأنبئني بأشياء أسألك عنها قال : سل عنك - وكان يقول للسائلين قبل ذلك سل عما بدا لك فقال يومئذ للعامري : سل عنك فإنها لغة بني عامر فكلمه بما يعرف - .
فقال العامري : أخبرني يا ابن عبد المطلب ماذا يزيد في الشر ؟ قال : التمادي قال : فهل ينفع البر بعد الفجور ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلّم : نعم إن التوبة تغسل الحوبة ( الحوبة : الاثم . النهاية 1 / 455 . ب ) وإن الحسنات يذهبن السيئات فإذا ذكر العبد ربه في الرخاء أعانه عند البلاء قال العامري : وكيف ذلك يا ابن عبد المطلب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ذلك بأن الله يقول : لا أجمع لعبدي أبدا أمنين ولا أجمع له أبدا خوفين إن هو أمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه عبادي وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس فيدوم له أمنه ولا أمحقه فيمن أمحق فقال العامري : يا ابن عبد المطلب إلى ما تدعو ؟ قال : أدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تخلع الأنداد وتكفر باللات والعزى : وتقر بما جاء من الله من كتاب ورسول وتصلي الصلوات الخمس بحقائقهن وتصوم شهرا من السنة وتؤدي زكاة مالك فيطهرك الله به ويطيب لك مالك وتحج البيت إذا وجدت إليه سبيلا وتغتسل من الجنابة وتقر بالبعث بعد الموت وبالجنة والنار قال : يا ابن عبد المطلب فإذا أنا فعلت هذا فما لي ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) قال : يا ابن عبد المطلب هل مع هذا من الدنيا شيء ؟ فإنه يعجبنا الوطاءة في العيش فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : نعم النصر والتمكين في البلاد فأجاب العامري وأناب .
( ع وأبو نعيم في الدلائل كر وقال مكحول لم يدرك شدادا )