مجرد إجتناب الكبائر مكفرا فما الحاجة لمقاسات هذا الصوم مثلا وإنما لم تحمل السيئات على ما يعم الكبائر لأنها لا بد لها من التوبة ولا تكفرها القربات أصلا في المشهور لإجماعهم على أن التوبة فرض على الخاصة والعامة لقولهتعالى : وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ويلزم من تكفير الكبائر بغيرها بطلان فرضيتها وهو خلاف النص .
وقال إبن الصلاح في فتاويه قد يكفر بعض القربات كالصلاةمثلا بعض الكبائر إذا لم يكن صغيرة وصرح النووي بأن الطاعات لا تكفر الكبائر لكن قد تخففها وقال بعضهم : إن القربة تمحو الخطيئة سواء كانت كبيرة أو صغيرة وأستدل عليه بقوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : أتبع السيئات الحسنة تمحها وفيه بحث إذ الحسنة في الآية والحديث بمعنى التوبة إن أخذت السيئة عامة .
ولا يمكن على ذلك التقدير حملها على الظاهر لما أن السيئة حينئذ تشمل حقوق العباد والإجماع على أن الحسنات لا تذهبها وإنما تذهبها التوبة بشروطها المعتبرة المعلومة وأيضا لو أخذ بعموم الحكم لترتب عليه الفساد من عدم خوف في المعاد على أن في سبب النزول ما يرشد إلى تخصيص كل من الحسنة والسيئة فقد روى الشيخان عن إبن مسعود أن رجلا أصاب من أمرأة قبلة ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر له ذلك فسكت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى نزلت الآية فدعاه فقرأها عليه فقال رجل : هذه له خاصة يارسول الله فقال : بل للناس عامة ووجه الإرشاد إما إلى تخصيص الحسنة بالتوبة فهو أنه جاءه تائبا وليس في الحديث ما يدل على أنه صدر منه حسنة أخرى وإما على تخصيص السيئة بالصغيرة فلأن ما وقع منه كان كذلك لأن تقبيل الأجنبية من الصغائر كما صرحوا به وقال بعض أهل السنة : إن الحسنة تكفر الصغيرة ما لم يصر عليها سواء فعل الكبيرة أم لا مع القول الأصح بأن التوبة من الصغيرة واجبة أيضا ولو لم يأت بكبيرة لجواز تعذيب الله سبحانه بها خلافا للمعتزلة وقيل : الواجب الإتيان بالتوبة أو بمكفرها من الحسنةوفي المسألة كلام طويل .
ولعل التوبة إن شاء الله تعالى تفضي إلى إتمامه هذا وربما يقال : إن حمل السيئات هنا على ما يعم الكبائر سائغ بناءا على أن المهاجرة ترك الشرك وهو إنما يكون بالإسلام والإسلام يجب ما قبله وحينئذ يعتبر في السيئات شبه التوزيع بأن يؤخذ من أنواع مدلولها مع كل وصف ما يناسبه ويكون هذا تصريحا بوعد ما سأله الداعون من غفران الذنوب وتكفير السيئات بالخصوص بعد ما وعد ذلك بالعموم وأعترض بأن هذا على ما فيه مبني على أن الإسلام يجب ما قبله مطلقا وفيه خلاف فقد قال الزركشي : إن الإسلام المقارن للندم إنما يكفر وزر الكفر لا غير وأما غيره من المعاصي فلا يكفر إلا بتوبة عنه بخصوصه كما ذكره البيهقي وأستدل عليه بقوله : إن أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بالأول ولا بالآخر وإن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر ولو كان الإسلام يكفر سائر المعاصي لم يؤاذ بها إذا أسلم وأجيب بأنه مع إعتبار ماذكر من شبه التوزيع يهون أمر الخلاف كما لا يخفى على أرباب الإنصاف فتدبر ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار إشارة إلى ما عبر عنه الداعون فيما قبل بقولهم وآتنا ما وعدتنا على رسلك على أحد القولين أو رمز إلى ما سألوه بقولهم ولا تخزنا يوم القيامة على القول الآخر ثوابا مصدر مؤكد لما قبله لأن معنى الجملة لأثيبنهم بذلك فوضع ثوابا موضع الإثابة وإن كان في الأصل أسما لما يثاب به كالعطاء لما يعطى وقيل : إنه تمييز أو حال من جنات لوصفها أو من ضمير المفعول أي مثابا بها أو مثابين وقيل : إنه بدل من جنات وقال الكسائي : إنه منصوب