وأستدل بذلك من قال : إن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا وهذا ظاهر إن جعلت الطاعة من جملة الإيمان وأما إن جعل الإيمان نفس التصديق والإعتقاد فقد قالوا في ذلك : إن اليقين مما يزداد بالألف وكثرة التأمل وتناصر الحجج بلا ريب ويعضد ذلك أخبار كثيرة ومن جعل الإيمان نفس التصديق وأنكر أن يكون قابلا للزيادة والنقصان يؤل ما ورد في ذلك بإعتبار المتعلق ومنهم من يقول : إن زيادته مجاز عن زيادة ثمرته وظهور آثاره وإشراق نوره وضيائه في القلب ونقصانه على عكس ذلك وكأن الزيادة هنا مجاز عن ظهور الحمية وعدم المبالاة بما يثبطهم وأنت تعلم أن التأويل الأول هنا خفى جدا لأنه لم يتجدد للقوم بحسب الظاهر عند ذلك القول شيء يجب الإيمان به كوجوب صلاة أو صوم مثلا ليقال : إن زيادة إيمانهم بإعتبار ذلك المتعلق وكذا إلتزام التأويل الثاني في الآيات والآثار التي لم تكد تتمنطق بمنطقة الحصر بعيد غاية البعد .
فالأولى القول بقبول الإيمان الزيادة والنقصان من غير تأويل وإن قلنا : إنه نفس التصديق وكونه إذا نقص يكون ظنا أوشكا ويخرج عن كونه إيمانا وتصديقا مما لا ظن ولا شك في أنه على إطلاقه ممنوع .
نعم قد يكون التصديق بمرتبة إذا نزل عنها يخرج عن كونه تصديقا وذاك مما لا نزاع لأحد في أنه لا يقبل النقصان مع بقاء كونه تصديقا وإلى هذا أشار بعض المحققين وقالوا حسبنا الله أي محسبنا وكافينا من أحسبه إذا كفاه والدليل على أن حسب بمعنى محسب أسم فاعل وقوعه صفة للنكرة في هذا رجل حسبك مع إضافته إلى ضمير المخاطب فلولا أنه أسم فاعل وإضافته لفظية لا تفيده تعريفا كإضافة المصدر ما صح كونه صفة لرجل كذا قالوا ومنه يعلم أن المصدر المؤل بأسم الفاعل له حكمه في الإضافة والجملة الفعلية معطوفة على الجملة التي قبلها ونعم الوكيل 271 أي الموكول إليه ففعيل بمعنى مفعول والمخصوص بالمدح محذوف هو ضميره تعالى والظاهر عطف هذه الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية التي قبلها والواو إما من الحكاية أو من المحكي فإن كان الأول وقلنا : بجواز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب لكونهما حينئذ في حكم المفردين فأمر العطف ظاهر من غير تكلف التأويل لأن الجملة المعطوف عليها في محل نصب مفعول قالوا لكن القول بجواز هذا العطف بدون التأويل عند الجمهور ممنوع لا بد له من شاهد ولم يثبت .
وإن كان الثاني وقلنا بجواز عطف الإنشاء على الإخبار مطلقاكما ذهب إليه الصفارأو قلنا : بجواز عطف القصة على القصة أعني عطف حاصل مضمون إحدى الجملتين على حاصل مضمون الأخرى من غير نظر إلى اللفظكما أشار إلى ذلك العلامة الثاني فالأمر أيضا ظاهر وإن قلنا : بعدم جواز ذلك كما ذهب إليه الجمهورفلا بد من التأويل إما في جانب المعطوف عليه أو في جانب المعطوف والذاهبون إلى الأول قالوا : إن الجملة الأولى وإن كانت خبرية صورة لكن المقصود منها إنشاء التوكل أو الكفاية لا الإخبار بأنه تعالى كاف في نفس الأمر والذاهبون إلى الثاني أختلفوا فمنهم من قدر قلنا أيوقلنا نعم الوكيل .
وأعترض بأنه تقدير لا ينساق الذهن إليه ولا دلالة للقرينة عليه مع أنه لا يوجد بين الإخبار بأن الله تعالى كافيهم والإخبار بأنهم قالوانعم الوكيلمناسبة معتد بها يحسن بسببها العطف بينهما ومنهم من جعل مدخول الواو معطوفا على ما قبله بتقدير المبتدأ إما مؤخرا لتناسب المعطوف عليه فإن حسبنا خبر و الله مبتدأ بقرينة ذكره في المعطوف عليه ومجيء حذفه في الإستعمال وإنتقال الذهن إليه وإما مقدما رعاية لقرب المرجع مع ما سبق