منزه تلك الساحة العلية عن كل وصمة فيه تأمل والظاهر الثاني وهو الأوفق بعوام المؤمنين .
يتلوا عليهم آياته إما صفة أو حال أو مستأنفة وفيه بعد أي يتلو عليهم ما يوحى إليه من القرآن بعد ما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي أو بعد ما كان بعضهم كذلك وبعضهم متشوقا إليه حيث أخبر كتابه الذي بيده بنزوله وبشر به ويزكيهم أي يدعوهم إلى ما يكونون به زاكين طاهرين مما كان فيهم من دنس الجاهلية أو من خبائث الإعتقادات الفاسدة كالإعتقادات التي كان عليها مشركو العرب وأهل الكتابين أو يشهد بأنهم أزكياء في الدين أو يأخذ منهم الزكاة التي يطهرهم بها قاله الفراءولا يخفى بعده ومثله القريب إليه ويعلمهم الكتاب والحكمة قد تقدم الكلام في ذلك .
وهذا التعليم معطوف على ما قبله مترتب على التلاوة وإنما وسط بينهما التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كل واحد من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر ولو روعي ترتيب الوجود كما في قوله تعالى : ربنا وأبعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم لتبادر إلى الفهم عد الجميع نعمة واحدة وهو السر في التعبير عن القرآن بالآيات تارة وبالكتاب والحكمة أخرى رمزا إلى أنه بإعتبار كل عنوان نعمة على حدة قاله مولانا شيخ الإسلام وقد يقال : المراد من تلاوة الآيات تلاوة ما يوحى إليه صلى الله تعالى عليه وسلم من الآيات الدالة على التوحيد والنبوة ومن التزكية الدعاء إلى الكلمة الطيبة المتضمنة للشهادة لله تعالى بالتوحيد ولنبيه E بالرسالة وبتعليم الكتاب تعليم ألفاظ القرآن وكيفية أدائه ليتهيأ لهم بذلك إقامة عماد الدين وبتعليم الحكمة الإيقاف على الأسرار المخبوءة في خزائن كلام الله تعالى وحينئذ أمر ترتيب هذه المتعاطفات ظاهر إذ حاصل ذلك أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يمهد سبل التوحيد ويدعو إليه ويعلم ما يلزم بعد التلبس به ويزيد على الزبد شهدا فتقديم التلاوة لأنها من باب التمهيد ثم التزكية لأنها بعده وهي أول أمر يحصل منه صفة يتلبس بها المؤمنون وهي من قبيل التخلية المقدمة على التحلية لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح ثم التعليم لأنه إنما يحتاج إليه بعد الإيمان بقى أمر تقديم التعليم على التزكية في آية البقرة ولعله كان إيذانا بشرافة التحلية كما أشرنا إليه هناك فتأمل وإن كانوا من قبل أي من قبل بعثة الرسول لفي ضلال مبين 461 ظاهر وإن هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى إن الشأن كانوا من قبل إلخ .
وإلى هذا ذهب بعض المحققين وذكر مثله مكي إلا أنه قال : التقدير وانهم كانوا من قبل أسمها ضميرا عائدا على المؤمنين قال أبو حيان : وكلا الوحهين لا نعرف نحويا ذهب إليه وإنما تقرر عندنا في كتب النحو ومن الشيوخ أنك إذا قلت : إن زيدا قائم ثم خففت فمذهب البصريين فيها وجهان : أحدهما جواز الأعمال ويكون حالها وهي مخففة كحالها وهي مشددةإلا أنها لا تعمل في مضمر ومنع ذلك الكوفيونوهم محجوجون بالسماع الثابت من لسان العربوالوجه الثاني وهو الأكثر عندهم أن تهمل فلا تعمل لا في ظاهر ولا مضمر لا ملفوظ ولا مقدر البتة فإن وليها جملة أسمية أرتفعت بالإبتداء والخبر ولزمت اللام في ثاني مصحوبيها إن لم ينف وفي أولهما إن تأخر فتقول : إن زيد لقائم ومدلوله مدلول إن زيدا قائم وإن وليها جملة فعلية فلا بد عند البصريين أن تكون من نواسخ الإبتداء وإن جاء الفعل من غيرها فهو شاذ لا يقاس عليه عند جمهورهم