جمع غاز كعاف وعفى وهو من نوادر الجمع في المعتل وأستشهد عليه بعضهم بقول أمريء القيس : ومغبرة الآفاق خاشعة الصوى لها قلب عفى الحياض أجون ويجمع على غزاة كقاض وقضاة وعلى غزى مثل حاج وحجيج وقاطن وقطين وعلى غزاء مثل فاسق وفساق وأنشدوا له قول تأبط شرا .
فيوما بغزاء ويوما بسرية ويوما بخشخاش من الرجل هيضل وعلى غازون مثل ضارب وضاربون وهو منصوب بفتحة مقدرة على الألف المنقلبة عن الواو المحذوفة لإلتقاء الساكنين إذ أصله غزوا تحركت الواو وأنفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم حذفت وقريء بتخفيف الزاي قال أبو البقاء : وفيه وجهان الأول أن أصله غزاة فحذفت الهاء تخفيفا لأن التاء دليل الجمع وقد حصل من نفس الصيغة .
والثاني أنه أريد قراءة الجمهور فحذفت إحدى الزاءين كراهية التضعيف وذكر هذا الشق مع دخوله فيما قبله لأنه المقصود في المقام وما قبله توطئة له على أنه قيل : قد يوجد بدون الضرب في الأرض بناءا على أن المراد به السفر البعيد فبين الضرب على هذا وكونهم غزاة عموم من وجه وإنما لم يقل أو غزوا للإيذان بإستمرار إتصافهم بعنوان كونهم غزاة أو لإنقضاء ذلك أي كانوا غزاة فيما مضى لو كانوا مقيمين عندنا بأن لم يسافروا أو يغزوا ما ماتوا وما قتلوا بل كانوا يبقون زيادة على ما بقوا والجملة الإمتناعية في محل النصب مفعول لقالوا ودليل على أن في الكلام السابق مضمرا قد حذف أي إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزا فقتلوا وتقدير فماتوا أو قتلوا في كل من الشقين خلاف الظاهر ليجعل الله ذلك حسرة في قلبوهم متعلق بقالوا داخل في حيز الصلة ومن جملة المشبه به والإشارة إلى القول لكن بإعتبار ما فيه من الإعتقاد واللام لام العاقبة والمعنى لا تكونوا مثلهم في القول الباطل والمعتقد الفاسد المؤديين إلى الحسرة والندامة والدمار في العاقبة وإلى هذا يشير كلام الزجاج وأبي علي وقيل : متعلقبلا تكونواعلى أنه علة للنهي فهو خارج عن جملة المشبه به لكن القول والمعتقد داخلان فيه أي لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول وإعتقاده ليجعل إنتفاء كونكم معهم في ذلك القول والإعتقاد حسرة في قلوبهم خاصة وأعترضه أبو حيان بأنه قول لا تحقيق فيه لان جعل الحسرة لا يكون سببا للنهي إنما يكون سببا لحصول إمتثال النهي وهو إنتفاء المماثلة فحصول ذلك الإنتفاء والمخالفة فيما يقولون ويعتقدون يحصل عنه ما يغيظهم ويغمهم إذ لم يوافقوهم فيما قالوه وأعتقدوه فيترك الضرب في الأرض والغزو وكأن القائل ألتبس عليه إستدعاء إنتفاء المماثلة بحصول الإنتفاء وفهم هذا فيه خفاء ودقة .
وتعقبه السفاقسي بأنه يلزم على هذا الإعتراض أن لا يجوز نحو لا تعص لتدخل الجنة لأن النهي ليس سببا لدخول الجنة وكذا لا يجوز أطع الله تعالى لتدخل الجنة لأن الأمر ليس سببا لدخولها ثم قال : والحق أن اللام تتعلق بالفعل المنهي عنه والمأمور به على معنى أن الكف عن الفعل أو الفعل المأمور به سبب لدخول الجنة ونحوه وهذا لا إشكال فيه وقيل : متعلقبلا تكونواوالإشارة إلى ما دل عليه النهي والكل خارج عن المشبه به والمعنى لا تكونوا مثلهم ليجعل الله إنتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم وعلى هذا يكون وقالوا إبتداء كلام معطوفا على مقدرات شتى كما يقتضيه أقوال المنافقين وأحوالهم وأفعالهم ووجه إتصاله بما قبله أنه لما وقع التنبيه على عدم الكون مثلهم عم جميع ما يتصل بهم من الرذائل وخص المذكور لكونه أشنع وأبين لنفاقهم أي أنهم أعداء الدين