وفي الجملة على ما نص عليه بعض المحققين وجوه من المحسنات : أحدها أنها كالتذييل للكلام السابق فيفيد مزيد تأكيد للإستلذاذ بذكر الوعد وثانيها في إقامة الأجر موضع ضمير الجزاء لأن الأصل ونعم هو أي جزاؤهم إيجاب إنجاز هذا الوعد وتصوير صورة العمل في العمالة تنشيطا للعامل وثالثها في تعميم العاملين وإقامته مقام الضمير الدلالة على حصول المطلوب للمذكورين بطريق برهاني .
والمراد من الكلام السابق الذي جعل هذا كالتذييل له إما الكلام الذي في شأن التائبين أو جميع الكلام السابق على الخلاف الذي ذكرناه آنفا ومن ذهب إلى الأول قال : وكفاك في الفرق بين القبيلين وهما المتقون الذين أتوا بالواجبات بأسرها وأجتنبوا المعاصي برمتها والمستغفرون لذنوبهم بعدما أذنبوا وأرتكبوا الفواحش والظلم أنه تعالى فصل آية الأولين بقوله سبحانه وتعالى : والله يحب المحسنين المشعر بأنهم محسنون محبوبون عند الله تعالى وفصل آية الآخرين بقوله جلا وعلا : ونعم أجر العاملين المشعر بأن هؤلاء أجراء وأن ما أعطوا من الأجر جزاء لتداركهم بعض ما فوتوه على أنفسهم وأين هذا من ذاك وبعيد ما بين السمك والسماك ولا يخفى أنه على تقدير كون النعتين نعت رجل واحد كما حكى عن الحسن يمكن أن يقال : إن ذكر هذه الجملة عقيب تلك لما ذكره بعض المحققين وأي مانع من الأخبار بأنهم محبوبون عند الله تعالى وأن الله تعالى منجز ما وعدهم به ولا بد وكونهم إذا أذنبوا استغفروا وتابوا لا ينافي كونهم محسنين أما إذا أريد من الإحسان الإنعام على الغير فظاهر وأما إذا أريد به الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق أو أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك كما صرح به في الصحيح فلأن ذلك لو نافي لزم أن لا يصدق المحسن إلا على نحو المعصوم ولا يصدق على من عبد الله تعالى وأطاعه مدة مديدة على أليق وجه وأحسنه ثم عصاه لحظة فندم أشد الندم وأستغفر سيد الإستغفار ولا أظن أحدا يقول بذلك فتدبر .
ثم إن في هذه الآياتعلى ما ذهب إليه المعظم دلالة على أن المؤمنين ثلاث طبقات متقين وتائبين : ومصرين وعلى أن غير المصرين تغفر ذنوبهم ويدخلون الجنة وأما أنها تدل على أن المصرين لا تغفر ذنوبهم ولا يدخلون الجنة كما زعمه البعض فلا لأن السكوت عن الحكم ليس بيانا لحكمهم عد بعض ودال على المخالفة عند آخرين وكفى في تحققها أنهم مترددون بين الخوف والرجاء وأنهم لا يخلون عن تعنيف أفله تعييرهم بما أذنبوه مفصلاوياله من فضيحةوهذا مالابد منه على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وحينئذ لم يتم لهم المغفرة الكاملة كما للتائبين على أن مقتضى ما في الآيات أن الجنة لا تكون جزاء للمصر وكذلك المغفرة أما نفي التفضل بهما فلا وهذا على أصل المعتزلة واضح للفرق بين الجزاء والتفضل وجوبا وعدم وجوب وأما على أصل أهل السنة فكذلك لأن التفضل قسمان : قسم مترتب على العمل ترتب الشبع على الأكل يسمى أجرا وجزءا وقسم لا يترتب على العمل فمنه ما هو تتميم للأجر كما أو كيفا كما وعده من الأضعاف وغير ذلك ومنه ما هو محض التفضل حقيقة وأسما كالعفو عن أصحاب الكبائر ورؤية الله تعالى في دار القرار وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى قاله بعض المحققين وذكر العلامة الطيبي أن قوله تعالى : وأتقوا النار التي أعدت للكافرين وردت خطابا لآكلي الربا من المؤمنين وردعا لهم عن الإصرار على ما يؤديهم إلى دركات الهالكين من الكافرين وتحريضا على التوبة والمسارعة إلى نيل الدرجات مع الفائزين من المتقين والتائبين فإدراج المصرين في هذا المقام بعيد المرمى لأنه إغراء وتشجيع على الذنب لازجر ولا ترهيب فبين بالآيات