بما يستحق العقاب عليه كما أن المعروف ما يستحق الثواب عليه فلا يكون إلا واجبا وبه قال بعضهم إلا أنه يرد أنهما ليسا على طرفي نقيض والأظهر أن العاصي يجب عليه أن ينهي عما يرتكبه لأنه يجب عليه نهي كل فاعل وترك نهي بعض وهو نفسه لا يسقط عنه وجوب نهي الباقي وكذا يقال في جانب الأمر ولا يعكر على ذلك قوله تعالى : لم تقولون مالا تفعلون لأنه مؤل بأن المراد نهيه عن عدم الفعل لا عن القول ولا قوله سبحانه : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم لأن التوبيخ إنما هو على نسيان أنفسهم لا على أمرهم بالبر وعن بعض السلف مروا بالخير وإن لم تفعلوا نعم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط معروفة محلها والأصل فيهما أفعل كذا ولا تفعل كذا والقتال ليمتثل المأمور والمنهي أمر وراء ذلك وليس داخلا في حقيقتهما وإن وجب على بعض كالأمراء في بعض الأحيان لأن ذلك حكم آخر كما يشعر به قوله : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع ولا تكونوا كالذين تفرقوا وهم اليهود والنصارى قاله الحسن والربيع .
وأخرج إبن ماجه عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وأفترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قيل : يارسول الله من هم قال : الجماعة وفي رواية أحمد عن معاوية مرفوعا أن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وفي رواية له أخرى عن أنس مرفوعا أيضا إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة وإن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة تلهك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة ولا تعارض بين هذه الروايات لأن الإفتراق حصل لمن حصل على طبق ما وقع فيها في بعض الأوقات وهو يكفي للصدق وإن زاد العدد أو نقص في وقت آخر وأختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال المعاد قيل : وهذا معنى تفرقوا وكرره للتأكيد وقيل : التفرق بالعداوة والإختلاف بالديانة .
من بعد ما جاءهم البينات أي الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة لإتحاد الكلمة وقال الحسن : التوراة وقال قتادة وأبو أمامة : القرآن وأولئك إشارة إلى المذكورين بإعتبار إتصافهم بما في حيز الصلة لهم عذاب عظيم 501 لا يكتنه على تفرقهم وإختلافهم المذكور وفي ذلك وعيد لهم وتهديد للمتشبهين بهم لأن التشبيه بالمغضوب عليه يستدعي الغضب ثم إن هذا الإختلاف المذموم محمول كما قيل على الإختلاف في الأصول دون الفروع ويؤخذ هذا التخصيص من التشبيه وقيل : إنه شامل للأصول والفروع لما نرى منإختلاف أهل السنة فيهاكالماتريدي والأشعريفالمراد حينئذ بالنهي عن الإختلاف النهي عن الإختلاف فيما ورد فيه نص من الشارع أو أجمع عليه وليس بالبعيد .
وأستدل على عدم المنع من الإختلاف في الفروع بقوله E : إختلاف أمتي رحمة وبقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : مهما أوتيتم من كتاب الله تعالى فالعمل به لا عذر لأحد في تركه فإن لم يكن في كتاب