كل الطعام كان حلا لبني إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وقيل : في أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم على دين إبراهيم عليه السلام وأن دينه الإسلام وقيل : في كل ما أخبر به ويدخل ما ذكر دخولا أوليا وفيه كما قيل : تعريض بكذبهم الصريح فأتبعوا ملة إبراهيم وهي دين الإسلام فإنكم غير متبعين ملته كما تزعمون وقيل : أتبعوا مثل ملته حتى تخلصوا عن اليهودية التي أضطرتكم إلى الكذب على الله والتشديد على أنفسكم وقيل : أتبعوا ملته في إستباحة أكل لحوم الإبل وشرب ألبانها مما كان حلا له حنيفا أي مائلا عن سائر الأديان الباطلة إلى دين الحق أو مستقيما على ما شرعه الله تعالى من الدين الحق في حجه ونسكه ومأكله وغير ذلك .
وما كان من المشركين 59 .
أي في أمر من أمور دينهم أصلا وفيه تعريض بشرك أولئك المخاطبين والجملة تذييل لما قبلها إن أول بيت وضع للناس .
أخرج إبن المنذر وغيره عن إبن جريج قال : بلغنا أن اليهود قالت : بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة فقال المسلمون : بل الكعبة أعظم فبلغ ذلك رسول الله فنزلت إلى مقام إبراهيم .
وروى مثل ذلك عن مجاهد ووجه ربطها بما قبلها أن الله تعالى أمر الكفرة بإتباع ملة إبراهيم ومن ملته تعظيم بيت الله تعالى الحرام فناسب ذكر البيت وفضله وحرمته لذلك وقيل وجه المناسبة أن هذه شبهة ثانية أدعوها فأكذبهم الله تعالى فيها كما أكذبهم في سابقتها والمعنى إن أول بيت وضع لعبادة الناس ربهم أي هيء وجعل متعبدا والواضع هو الله تعالى كما يدل عليه قراءة من قزا وضع بالبناء للفاعل لأن الظاهر حينئذ أن يكون الضمير راجعا إلى الله تعالى وإن لم يتقدم ذكره سبحانه صريحا في الآية بناءا على أنها مستأنفة وإحتمال عوده إلى إبراهيم عليه السلام لإشتهاره ببناء البيت خلاف الظاهر وجملة وضع في موضع جر على أنها صفة بيت و للناس متعلق به واللام فيه للعلة وقوله تعالى : للذي ببكة خبر إن واللام من حلقة وأخبر بالمعرفة عن النكرة لتخصيصها وهذا في باب إن وبكةلغة في مكة عند الأكثرين والباء والميم تعقب إحداهما الأخرى كثيرا ومنه نميط ونبيط ولازم ولازب وراتب وراتم وقيل : هما متغايران فبكة موضع المسجد ومكة البلد بأسرها وأصلها من البك بمعنى الزحم يقال بكه يبكه بكا إذا زحمه وتباك الناس إذا أزدحموا وكأنها إنما سميت بذلك لأزدحام الحجيج فيها وقيل : بمعنى الدق وسميت بذلك لدق أعناق الجبابرة إذا أرادوها بسوء وإذ لا لهم فيها ولذا تراهم في الطواف كآحاد الناس ولو أمكنهم الله تعالى من تخلية المطاف لفعلوا وقيل إنها مأخوذة من بكأت الناقة أو الشاة إذا قل لبنها وكأنها إنما سميت بذلك لقلة مائها وخصبها قيل : ومن هنا سميت البلد مكة أيضا أخذا لها من أمتك الفصيل ما في الضرع إذا أمتصه ولم يبق فيه من اللبن شيئا وقيل : هي من مكه الله تعالى إذا أستقصاه بالهلاك ثم المراد بالأولية الأولية بحسب الزمان وقيل : بحسب الشرف ويؤيد الأول ما أخرجه الشيخان عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس فقال : المسجد الحرام ثم بيت المقدس فقيل : كم بينهما فقال : أربعون سنة وأستشكل ذلك بأن باني المسجد الحرام إبراهيم عليه السلام وباني الأقصى داؤد ثم إبنه سليمان عليهما السلام ورفع قبته ثمانية عشر ميلا وبين بناء إبراهيم وبنائهما مدة تزيد على الأربعين بأمثالها