بسم الله الرحمن الرحيم كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل روى الواحدي عن الكلبي أنه حين قال النبي : أنا على ملة إبراهيم قالت اليهود : كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : كان ذلك حلالا لإبراهيم عليه السلام فتحن نحله فقالت اليهود : كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم حتى إنتهى إلينا فأنزل الله تعالى هذه الآية تكذيبا لهم والطعام بمعنى المطعوم ويراد به هنا المطعومات مطلقا أو المأكولات وهو لكونه مصدرا منعوتا به معنى يستوي فيه الواحد المذكر وغيره وهو الأصل المطرد فلا ينافيه قول الرضى : إنه يقال : رجل عدل ورجلان عدلان لأنه رعاية لجانب المعنى ودكر بعضهم أن هذا التأويل يجعل كلا للتأكيد لأن الإستغراق شأن الجمع المعرف باللام والحل مصدر أيضا أريد منه حلالا والمراد الأخبار عن أكل الطعام بكونه حلالا لا نفس الطعام لأن الحل كالحرمة مما لا يتعلق بالذوات ولا يقدر نحو الإنفاق وإن صح أن يكون متعلق الحل وربما توهم بقرينة ما قبله لأنه خلاف الغرض المسوق له الكلام .
و إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعن أبي مجلز أن ملكا سماه بذلك بعد أن صرعه وضرب على فخذه إلا ما حرم إسرائيل على نفسه قال مجاهد : حرم لحوم الأنعام وروى عكرمة عن إبن عباس أنه حرم زائدتي الكبد والكليتين والشحم إلا ما كان على الظهر وعن عطاء أنه حرم لحوم الإبل وألبانها وسبب تحريم ذلك كما في الحديث الذي أخرجه الحاكم وغيره بسند صحيح عن إبن عباس أنه E كان به عرق النسا فنذر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إليه وفي رواية سعيد بن جبير عنه أنه كان به ذلك الداء فأكل من لحوم الإبل فبان بليلة يزقو فحل أن لا يأكله أبدا وقيل : حرمه على نفسه تعبدا وسأل الله تعالى أن يجيز له فحرم سبحانه على ولده ذلك ونسب هذا إلى الحسن وقيل إنه حرمه وكف نفسه عنه كما يحرم المستظهر في دينه من الزهاد اللذائذ على نفسه .
وذهب كثير إلى أن التحريم كان بنص ورد عليه وقال بعض : كان ذلك عن إجتهاد ويؤيده ظاهر النظم وبه أستدل على جوازه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والإستغناء متصل لأن المراد على كل تقدير أنه حرمه على نفسه وعلى أولاده وقيل : منقطع والتقدير ولكن حرم إسرائيل على نفسه خاصة ولم يحرمه عليهم وصحح الأول من قبل أن تنزل التوراة الظاهر أنه متعلق بقوله تعالى : كان رجلا ولا يضر الفصل بالإستثناء إذ هو فصل جائز وذلك على مذهب الكسائي وأبي الحسن في جواز أن يعمل ما قبل إلا فيما بعدها إذا كان ظرفا أو جارا أو مجرورا أو حالا وقيل : متعلق بحرم وتعقبه أبو حيان بأنه بعيد إذ هو من الإخبار بالواضح المعلوم ضرورة ولا فائدة فيه وأعتذر عنه بأن فائدة ذلك بيان أن التحريم مقدم عليها وأن التوراة مشتملة على محرمات أخر حدثت عليهم حرجا وتضييقا وأختار بعضهم أنه متعلق بمحذوف والتقدير كان حلا