أفامنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله فإنه نسب إليه سبحانه ابتداءا .
ونقل عن الامام أن المكر إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى فيه وأنه يجوز صدوره عنه تعالى حقيقة وقال غير واحد : إنه عبارة عن التدبير المحكم وهو ليس بممتنع عليه تعالى وفي الحديث اللهم امكر لي ولا تمكر بي ومن ذهب إلى عدم الاطلاق إلا بطريق المشاكلة أجاب عن الاستدلال بالآية ونحوها بأن ذلك من المشاكلة التقديرية كما في قوله تعالى : صبغة الله ولا يخفى ما فيه فالأولى القول بصحة الاطلاق عليه سبحانه ابتداءا بالمعنى اللائق بجلاله جل جلاله ومما يؤيد ذلك قوله سبحانه : والله خير الماكرين .
45 .
- أي أقواهم مكرا وأشدهم أو أن مكره أحسن وأوقع في محله لبعده عن الظلم فإنه يبعد المشاكلة إذ قال الله ظرف لمكر أو لمحذوف نحو وقع ذلك ولو قدر اذكر كما في أمثاله لم يبعد وتعلقه بالماكرين بعيد إذ لا يظهر وجه حسن اتقييد قوة مكره تعالى بهذا الوقت يعيسى أني متوفيك ورافعك إلى أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : هذا من المقدم والمؤخر أي رافعك إلى ومتوفيك وهذا أحد تأويلات اقتضاها مخالفة ظاهر الآية للمشهور المصرع به في الآية الاخرى وفي قوله : إن عيسى لم يمت وأنه راجع اليكم قبل يوم القيامة .
وثانيها أن المراد إني مستوفي أجلك ومميتك حتف أنفك لا أسلط عليك من يقتلك فالكلام كناية عن عصمته من الاعداء وما هم بصدده من الفتك به عليه السلام لانه يلزم من استيفاء الله تعالى أجله وموته حتف أنفه ذلك .
وثالثها أن المراد قابضك ومستوفي شخصك من الارض من توفي المال بمعنى استوفاه وقبضه .
ورابعها أن المراد بالوفاة هنا النوم لانهما أخوان ويطلق كل منهما على الآخر وقد روى عن الربيع أن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام لى السماء وهو نائم رفقا به وحكى هذا القول والذي قبله أيضا عن الحسن .
وخامسها أن المراد أجعلك كالمتوفي لانه بالرفع يشبهه وسادسها أن المراد آخذك وافيا بروحك وبدنك فيكون ورافعك إلى كالمفسر لما قبله وسابعها أن المراد بالوفاة موت القوى الشهوانية العائقة عن إيصاله بالملكوت وثامنها أن المراد مستقبل عملك ولا يخلوا أكثر هذه الأوجه عن بعد لا سيما الأخير وقيل : الآية محمولة على ظاهرها فقد أخرج ابن جرير عن وهب أنه قال : توفي الله تعالى عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه اليه .
وأخرج الحاكم عنه أن الله تعالى توفي عيسى سبع ساعات ثم أحياه وأن مريم حملت به ولها ثلاث عشرة سنة وأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين وأن أمه بقيت بعد رفعه ست سنين وورد ذلك في رواية ضعيفة عن ابن عباس والصحيح كما قاله القرطبي أن الله تعالى رفعه من غير وفاة ولا نوم وهو اختيار الطبري والرواية الصحيحة عن ابن عباس وحكاية ان الله تعالى توفاه سبع ساعات ذكر ابن إسحق أنها من زعم النصارى .
ولهم في هذا المقام كلام تقشعر منه الجلود ويزعمون أنه في الانجيل وحاشا الله ما هو إلا افتراء وبهتان عظيم ولا بأس بنقله ورده فان في ذلك رد عواهم فيه عليه السلام الربوبية على أتم وجه فنقول : قالوا : بينما المسيح مع تلاميذه جالس ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر نيسان إذ جاء يهودا الأسخر يوطي أحد الاثنى عشر ومعه جماعة معهم السيوف والعصى من عند رؤساء الكهنة ومشايخ الشعب وقد قال لهم يهودا : الرجل الذي أقبل هو هو فأمسكوه فلما رأى يهودا المسيح قال : السلام عليك يا معلم ثم أمسكوه فقال يسوع : مثل ما يفعل باللصوص خرجتم لي بالسيوف والعصى وأنا عندكم في الهيكل كل يوم أعلم فلم تتعرضوا لي لكن