يبيض الثياب وهو بلغة النبط وهو أرى بضم الهاء وتشديد الواو وفتح الراء قاله الضحاك واختلف في سبب تسمية أولئك القوم بذلك فقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم وهو المروي عن سعيد بن جبير وقيل : لانهم كانوا قصارين يبيضون الثياب للناس وهو المروي عن مقاتل وجماعة وقيل : لنقاء قلوبهم وطهارة أخلاقهم واليه يشير كلام قتادة وفي تعيين أنهم من أي الطوائف من الناس خلاف أيضا فقيل : قوم كانوا يصطادون السمك فيهم يعقوب وشمعون ويوحنا فمر بهم عيسى عليه السلام فقال لهم : أنتم تصيدون السمك فان اتبعتموني صرتم بحيث تصيدون الناس بالحياة الأبدية فقالوا : له من انت قال : عيسى ابن مريم عبدالله ورسوله فطلبوا منه المعجزة وكان شمعون قد رمى شبكته تلك الليلة فما اصطاد شيئا فأمر عيسى عليه السلام بالقائها في الماء مرة أخرى ففعل فاصطاد ماملأ سفينتين فعند ذلك آمنوا به عليه السلام وقيل : هم اثنا عشر رجلا أو تسعة وعشرون من سائر الناس اتبعوا عيسى عليه السلام وكانوا إذا جاعوا قالوا : ياروح الله جعنا فيضرب بيده على الارض فيخرج لكل واحد رغيفان وإذا عطشوا قالوا : عطشنا فيضرب بيده على الارض فيخرج الماء فيشربون فقالوا : من أقضل منا إذا شئنا أطعمتنا وإذا شئنا أسقيتنا وقد آمنا بك فقال : افضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالكراء ويأكلون وقيل : إن واحدا من الملوك صنع طعاما وجمع الناس عليه وكان عيسى عليه السلام على قصعة فكانت القصعة لا تنقص فذكر ذلك الملك فذهب اليه الملك مع اقاربه فقالوا له : من أنت قال : عيسى ابن مريم فقال الملك : إني تارك ملكي ومتبعك فتبعه مع أقاربه فأولئك هم الحواريون وقيل : إن أمه دفعته إلى صباغ فكان إذا اراد أن يعلمه شيئا وجده اعلم به منه فغاب الصباغ يوما لهم وقال له : ههنا ثياب مختلفة وقد جعلت على كل منها علامة فاصبغها بتلك الألوان فطبخ عيسى عليه السلام حبا واحدا وجعل الجميع فيه وقال : كونى باذن الله كما اريد فرجع الصباغ فأخبره بما فعل فقال : أفسدت على الثياب قال : قم فانظر فكان يخرج ثوبا أحمر وثوبا أخضر وثوبا أصفر كما كان يريد فتعجب الحاضرون منه وآمنوا به وكانوا الحواريون ونقل جمع عن القفال أنه يجوز أن يكون بعضهم من الملوك وبعضهم من الصيادين وبعضهم من القصارين وبعضهم من الصباغين وبعضهم من سائر الناس وسموا جميعا بالحواريين لانهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام والمخلصين في محبته وطاعته .
والاشتقاق كيف كانوا هو الاشتقاق ومأخذه إما أن يؤخذ حقيقيا وإما أن يؤخذ مجازيا وهو الأوفق بشأن أولئك الانصار ويل : إنه مأخوذ من حار بمعنى رجع ومنه قوله تعالى : إنه ظن أن لن يحور وكائنهم سموا بذلك لرجوعهم إلى الله تعالى .
ومن الناس من فسر الحواري بالمجاهد فان أريد بالجهاد ما هو المتبادر منه أشكل ذلك حيث أنه لم يصح أن عيسى عليه السلام أمر به وادعاه بعضهم مستدلا بقوله تعالى : فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الدين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ولا يخفى أن الآية ليست نصا في المقصود لجواز أن يراد بالتأييد التأييد بالحجة وإعلاء الكلمة وإن اريد بالجهاد جهاد النفس بتجريعها مرائر التكاليف لم يشكل ذلك .
نعم استشكل أن عيسى عليه السلام إذا لم يكن مأمورا بالقتال فما معنى طلبه الانصار وأجيب بأنه عليه السلام لما علم أن اليهود يريدون قتله استنصر للحماية منهم كما قاله الحسن ومجاهد ولم يستنصر للقتال معهم على الايمان بما جاء به وهذا هو الذىي لم يؤمر به لا ذلك بل ربما يدعى أن ذلك مأمور به لوجوب المحافظة