المطاع لمأمور به مطيع على الفور وهذا اللفظ مستعار لذلك منه .
وأنت تعلم أنه يجوز فيه أن يكون حقيقة بأن يراد الكلام النفسي بالشئ الحادث على أن كيفية الخلق على هذا الوجه وعلى كلا التقديرين المراد من هذا الجواب بيان أن الله تعالى لا يعجزه أن يخلق ولدا بلا أب لانه أمر ممكن في نفسه فيصح أن يكون متعلق الارادة والقدرو كيف لا وكثيرا ما نشاهد حدوث كثير من الحيوانات على سبيل التولد كحدوث الفأر عن المدر والحيات عن الشعر المتعفن والعقارب عن البادورج والذباب عن الباقلاء إلى غير ذلك غايته الاستبعاد وهو لا يوجب ظنا فضلا عن علم وبعد إخبار الصادق عن وجود ذلك الممكن يجب القطع بصحته والقول : بأن المادة فيما عد ونحوه موجودة وبعد وجودها لا ريب في الامكان دون ما نحن فيه لان مادة الآدمى منيان وليس هناك إلا منى واحد أو لا منى أصلا فكيف يمكن الخلق ليس بشئ أما على مذهبنا فلان الايجاد لا يتوقف على سبق المادة وإلا لتسلسل الأمر وأما على مذهب المنكرين فيجوز أن يكون منى الانثى بنفسه أو بما ينضم اليه مما لا يعلمه إلا الله تعالى بحالة يصلح أن يكون مادة وقصارى ما يلزم من ذلك الاستبعاد وهو لا يجدي نفعا في أمثال هذه المقامات ويجوز أيضا أن يقيم الله تعالى غير المنى مقام المنى وأي محال يلزم من ذلك ألا ترى كيف أقيم التراب مقام المنى في أصل النوع ودعوى أن الاقامة مشروطة بكون ذلك الغير خارج الرحم وأما الاقامة في الرحم فما لا إمكان لها غير بينة ولا مبينة بل العقل لا يفرق بين الامرين في الامكان وإنما يفرق بينهما في موافقة العادة وعدمها وهو أمر وراء ما نحن فيه .
ومن الناس من بين هذا المطلب بأن التخيلات الذهنية كثيرا ما تكون أسبابا لحدوث الحوادث كتصور حضور المنافي للغضب وكتصور السقوط بحصول السقوط للماشي على جذع ممدوح فوق فضاء بخلافه لو كان على قرار من الأرض وقد جعلت الفلاسفة هذا كالأصل في بيان جواز المعجزات والكرامات فما المانع ان يقال : إنها لما تخيلت صورة جبريل كفى ذلك في علوق الولد في رحمها لأن منى الرجل ليس إلا لأجل العقد فاذا حصل الانعقاد لمى المرأة بوجه آخر أمكن علوق الولد انتهى وليس بشئ لأنه يعود بالنقص لحضرة البتول وأنها لتنزه ساحتها عن مثل هذا التخيل كما لا يخفى وفي جواب هذه الطاهرة ليوسف النجار ما يؤيد ما قلناه فقد أخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن وهب أنه قال : لما استقر حمل مريم وبشرها جبريل وثقت بكرامة الله تعالى واطمأنت وطابت نفسا وأول من اطلع على حملها ابن خال لها يقال له يوسف واهتم لذلك وأحزنه وخشي البلية منه لأنه كان يخدمها فلما رأى تغير لونها وكبر بطنها عظم عليه ذلك فقال معرضا لها : هل يكون زرع من غير بذر ! قالت : نعم قال : وكيف يكون ذلك قالت : إن الله تعالى خلق البذر الأول من غير نبات وأنبت الزرع الأول من غير بذر ولعلك تقول : لم يقدر أن يخلق الزرع الاول إلا بالبذر ولعلك تقول : لولا أن استعان الله تعالى عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أن يخلقه ولا ينبته قال يوسف أعوذ بالله ان أقول ذلك قد صدقت وقلت بالنور والحكم وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينبته من غير بذر يقدر أن يجعل زرعا من غير يذر فأخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر قالت : ألم تعلم أن للبذر والماء والمطر والشجر خالقا واحدا فلعلك تقول بولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر قال أعوذ بالله تعالى أن أقول ذلك قد صدقت فأخبريني خبرك قالت : بشرني الله تعالى بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم إلى قوله تعالى : ومن الصالحين فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله تعالى لسبب خبر أراده بمريم فسكت عنها فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق فنوديت ان اخرجي من