على وجيها أي ومقربا من جملة المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا عطف على الحال الأولى أيضا وعطف الفعل على الاسم لتأويله به سائغ شائع وهو في القرآن كثير والظرف حال من الضمير المستكن في الفعل ولم يجعل ظرفا لغوا متعلقا به مع صحته اعطف وكهلا عليه والمراد يكلمهم حال كونه طفلا وكهلا والمقصود التسوية بين الكلام في حال الطفولية وحال الكهولة وإلا فالكلام في الثاني ليس مما يختص به عليه السلام وليس فيه غرابة وعلى هذا فالمجموع حال لا كل على الاستقلال وقيل : إن كلا منهما حال والثاني تبشير ببلوغ سن الكهولة وتحديد لعمره و المهد مقر الصبي في رضاعه وأصله مصدر سمي به وكان كلامه في المهد ساعة واحدة بما قص الله تعالى لنا ثم لم يتكلم حتى بلغ أو أن الكلام قاله ابن عباس وقيل : كان يتكلم دائما وكان كلامه فيه تأسيسا لنبوته وإرهاصا لها على ما ذهب اليه ابن الاخشيدو عليه يكون قوله : وجعلني نبيا إخبارا عما يؤول اليه وقال الجبائي : أنه سبحانه أكمل عقله عليه السلام إذ ذاك وأوحى اليه بما تكلم به مقرونا بالنبوة وجوز أيضا أن يكون ذلك كرامة لمريم دالة على طهارتها وبراءة ساحتها مما نسبه أهل الافك إليها والقول : بأنه معجزة لها بعيد وإن قلنا بنبوتها وزعمت النصارى أنه عليه السلام لم يتكلم في المهد ولم ينطق ببراءة أمه صغيرا بل أقام ثلاثين سنة واليهود تقذف أمه بيوسف النجار وهذا من أكبر فضائحهم الصادحة برد ما هم عليه من دعوى الألوهيم له عليه السلام وكذا تنقله في الأطوار المختلفة المتنافية لأن من هذا شأنه بمعزل عن الألوهية واعترضوا بأن كلامه في المهد من أعجب الأمور فلو كان لنقل ولو نقل لكان النصارى أولى الناس بمعرفته وأجيب بأن الحاضرين إذ ذاك لم يبلغوا مبلغ التواتر ولما نقلوا كذبوا فسكتوا وبقي الأمر مكتوما إلى أن نطق القرآن به وهذا قريب على قول ابن عباس : أنه لم يتكلم إلا ساعة من نهار وعلى القول الآخر وهو أنه بقي يتكلم يقال : إن الناس اشتغلوا بعد بنقل ما هو أعجب من ذلك من أحواله كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص والإخبار عن الغيوب والخلق من الطين كهيئة الطير حتى لم يذكر التكلم منهم إلا النزر ولا زال الامر بقلة حتى لم يبق مخبر عن ذلك وبقي مكتوما إلى أن ظهره القرآن .
وبعد هذا كله لك أن تقول لا نسلم إجماع النصارى على عدم تكلمه في المهد وظاهر الأخبار وقد تقدم بعضها يشير إلى أن بعضهم قائل بذلك وبفرض إجماعهم نهاية ما يلزم الاستبعاد وهو بعد إخبار الصادق لا يسمن ولا يغنى من جوع عند من رسخ إيمانه وقوي إيقانه وكم أجمع أهل الكتابين على أشياء نطق القرآن الحق بخلافها والحق أحق بالاتباع ولعل مرامهم من ذلك أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والكهل ما بين الشاب والشيخ ومنه اكتمل النبت إذ طال وقوى وقد ذكر غير واحد أن ابن آم ما دام في الرحم فهو جنين فاذا ولد فهو وليد ثم ما دام يرضع فهو رضيع ثم إذا قطع اللبن فهو فطيم ثم إدا دب فهو دارج فاذا بلغ خمسة أشبار فهو خماسي فاذا سقطت رواضعه فهو مثغور فاذا نبتت أسنانه فهو م مثغر بالتاء والثاء كما قال أبو عمرو فاذا قارب عشر سنين أو جاوزها فهو مترعرع وناشئ فاذا كان يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق فاذا احتلم واجتمعت قوته فهو حزور واسمه في جميع هذه الاحوال غلام فإذا اخضر شاربه وأخذ عذاره يسيل قيل : قد بقل وجهه فاذا صار ذا فتاء فهو فتى وشارخ فاذا اجتمعت لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع ثم ما دام بين الثلاثين والاربعين فهو شاب ثم كهل إلى أن يستوفي الستين .
ويقال لمن لاحت فيه أمارات الكبر وخطه الشيب ثم يقال شاب ثم شمط ثم شاخ ثم كبر ثم هرم