ألا تكلم الناس بأن يحصر لسانك عن محادثتهم ليتجر دسرك لربك ويكون ظاهرك وباطنك مشغولا به إلا رمزا تدفع به ضيق القلب عند الحاجة وحقيقة الرمز عند العارفين تعريض السر وإعلام الخاطر للخاطر بنعت تحريك سلسلة المواصلة بين المخاطب والمخاطب واذكر ربك كثيرا بتخليص النية عن الخطرات وجمع الهموم بنعت تصفية السر في المناجاة وتحير الروح في المشاهدات وسبح أي نزه ربك عن الشركة في الوجود بالعشي والابكار بالفناء والبقاء .
وإن أردت تطبيق ما في الآفاق على ما في الانفس فتقول هنالك رعا زكريا الاستعداد ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة وهي النفس الطاهرة المقدسة عن النقائص إنك سميع الدعاء ممن صدق في الطلب فنادته ملائكة القوى الروحانية وهو قائم منتهض لتكميل النشأة يصلي ويدعو في محراب التضرع إلى الله تعالى المفيض على القوابل بحسب القابليات أن الله يبشرك بيحيى وهو الروح الحي بروح الحق والصفات الالهية مصدقا بكلمة من الله وهي ما تلقيها ملائكة الالهام من قبل الفياض المطلق وسيدا لم تملكه الشهوات النفسانية وحصورا أي مبالغا في الامتناع عن اللذائذ الدنيوية ونبيا بما يتلقاه من عالم الملكوت ومعدودا من الصالحين لهاتيك الحضرة القائمين بحقوق الحق والخلق لا تصافه بالبقاء بعد الفناء قال رب أنى أي كيف يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وضعف القوى الطبيعية وامرأتي وهي النفس الحيوانية عاقر عقيم عن ولادة مثل هذا الغلام إذ لا تلد الحية إلا حيية قال كذلك الله في غرابة الشأن يفعل ما يشاء من العجائب التي يستبعدها من قيده النظر إلى المألوفات وبقي أسيرا في سجب العادات قال رب أجعل لي آإية على ذلك لأشكرك مستمطرا زيادة نعمك التي لا منتهى لها قال آيتك ألا تكلم الناس وهم ما يأنس به من اللذائذ المباحة ثلاثة أيام وهي يوم الفناء بالافعال ويوم الفناء بالصفات ويوم الفناء بالذات إلا رمزا أي قدرا يسيرا تدعو الضرورة اليه واذكر ربك الذي رباك حتى أوصلك إلى هذه الغاية كثيرا حيث من عليك بخير كثير وسبح أي نزه ربك عن نقائض التقيد بالمظاهر بالعشي والإبكار أي وقتى الصحو والمحو .
وبعض الملتزمين لذكر البطون ذكر في تطبيق ما في الآفاق على ما في الانفس أن القوى البدنية امرأة عمران الروح نذرت ما في قوتها من النفس المطمئنة فوضعت أنثى النفس فكفلها زكريا الفكر فدخل عليها زكريا محراب الدماغ فوجد عندها رزقا من المعاني الحدسية التي أنكشفت لها بصفائها فهنالك دعا زكريا الفكر بتركيب تلك المعاني واستوهب ولدا مقدسا من لوث الطبيعة فسمع الله تعالى دعاءه فنادته ملائكة القوى الروحانية وهو قائم في أمره بتركيب المعلومات يناجي ربه باستنزال الأنوار في محراب الدماغ أن الله يبشرك بيحيى العقل مصدقا بعيسى القلب الذي هو كلمة من الله لتقدسه عن عالم الاجرام وسيدا لجميع أصناف القوى وحصورا عن مباشرة الطبيعة ونبيا بالاخبار عن المعارف والحقائق وتعليم الاخلاق ومنتظما في سلك الصالحين وهم المجردات ومقربو الحضرة قال أنى يكون ذلك وقد بلغني كبر منتهى الطور وامرأتي وهي طبيعة الروح النفسانية عاقر بالنور المجرد فطلب لذلك علامة فقيل له : علامة ذلك الامساك عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مآربهم من اللذائذ ثلاثة أيام كل يوم عقد تام من أطوار العمر وهو عشر سنين إلا بالاشارة الخفية وأمر بالذكر في هذه الايام التي هي مع العشر الاول هي سن التمييز أربعون سنة