الرحمة فكأنه قيل لهم : اتبعوني بالأعمال الصالحة يخصكم الله تعالى برحمته وتعلقت بالخواص من حيث الفضل فكأنه قيل لهم : اتبعوني بمكارم الاخلاق يخصكم بتجلي صفات الجمال وتعلقت بخواص من حيث الجذبة فكأنه قيل لهم : اتبعوني ببدل الوجود يخصكم بجذبه لكم إلى نفسه وهناك يرتفع البون من البين ويظهر الصبح لذي عينين والقطرة من هذه المحبة تغني عن الغدير وفي سكرة منها ولو عمر ساعة ترى الدهر عبدا طائعا وله الحكم ويغفر لكم ذنوبكم أي معاصيكم التي سلفا منكم على خلاف المتابعة ولا يعاقبكم عليها او يغفر لكم ذنوبكم بستر ظلمة صفاتكم بأنوار صفاته او يغفر لكم ذنوب وجودكم وثيبكم مكانه وجودا لا يفنى كما قال : فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث والله غفور يكفر خطاياكم ويمحو ذنوب صفاتكم ووجودكم رحيم يهب لكم عوض ذاك حسنات وصفات ووجودا حقانية خيرا من دلك قل اطيعوا الله والرسول فإن المريد يلزمه متابعة المراد فان تولوا اى فان اعرضوا فهم كفار منكرون محجوبون والله لا يحب الكافرين لقصور استعدادهم عن ظهور جماله فيهم إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين الاصطفاء أعم من المحبة والخلة فيشمل الأنبياء كلهم وتتفاضل فيه مراتبهم كما يشير إليه قوله تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض فأخص المراتب هو المحبة وإليه يشير قوله تعالى : ورفع بعضهم درجات ثم الخلة وفي لفظها إشارة إلى ذلك من طريق مخارج الحروف وأعمها الاصطفاء فاصطفى آدم بتعليم الصفات وجمع اليدين وإسجاد الأكوان له ونوحا الذي هو الأب الثاني بتلك الأبوة وبما كان له مع قومه واصطفى آل إبراهيم وهم الأنبياء من ذريته بظهور انوار تجليه الخاص على آفاق وجودهم وآل عمران يجعلهم آسة للعالمين ذرية بعضها من بعض في الدين والحقيقة إذ الولادة قسمان : صورية معنوية وكل نبي تبع نبيا في التوحيد والمعرفة وما يتعلق بالباطن من اصول الدين فهو ولده كأولاد المشايخ والولد سرأبيه ويمكن أن يقال : آدم هو الروح في أول مقامات ظهورها ونوح هو هي في مقامها الثاني من مقامات التنزل وإبراهيم هو القلب الذي القاه نمرود النفس في نيران الفتن ورماه فيها بمنجنيق الشهوات وآله القوى الروحانية وعمران هو العقل المام في بيت مقدس البدن وآلة التابعون في ذلك البيت المقتدون به وكل ذلك ذرية بعضها لوحدة المورد واتفاق المشرب إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا عن رق النفس مخلصا في عبادتك عن الميل إلى السوى فتقبلها ربها بقبول حسن قال الواسطي : محفوظ عن إدراك الخلق وأنبتها نباتا حسانا حيث سقاها من مياه القدرة وأثمرها شجرة النبوة وكفلها زكريا لطهارة سره وشبيه السئ منجذب إليه كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا هو ما علمت ويجوز ان يراد الرزق الروحاني من المعارف والحقائق والعلوم والحكم الفائضة عليها من عند الله تعالى إذا لاختصاص بالعندية يدل على كونه اشرف من الأرزاق البدنية .
وأخرج ابن أبي حاتم من بعض الطرق عن مجاهد أنه قال رزقا أي علما وقى يقال على نحو الأول ليتم تطبيق ما في الآفاق على ما في الأنفس إذ قالت امرأة عمران وهي النفس في أول مراتب طاعتها لعمران العقل إني نذرت لك ما في بطني وهو غلام القلب محررا ليس في رق شئ من المخلوقات فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى وهي نفس ايضا إلا أنها أكمل منها في المرتبة والجنس يلد الجنس والله أعلم بما وضعت لعلمه أنه سيظهر من هذه الأنثى العجب العجاب وغيره سبحانه تخفي عليه الأسرار وإني سميتها مريم وهي العابدة