وتحمل الروية على العلم والاعتقاد الناشئ عن الشهرة والتواتر ويلتزم كون الآية لهم قتال المؤمنين الكافرين وغلبة الاولين الآخرين مع كونهم أكثر منهم إلا أنه اقتصر على اقل اللازم ويعلم منه كون قتال المؤمنين وغلبتهم على الفئة الكافرة مع كونها ثلاثة أمثالهم فى نفس الأمر المعلوم لهم أيضا آية من باب أولى .
ولما فى هذين الجوابين : كيفما كان التزم بعضهم كون الخطاب من أول الامر للمشركين ليتضح أمر هذه القراءة وأوجب عليه أن يكون قوله سبحانه : قد كان لكم خطابا لهم بعد ذلك ولا يكون داخلا تحت الامر بناءا على أن الوعيد كان بوقعه بدر ولا معنى للاستدلال بها قبل وقوعها وجعل ذلك داخلا فى مفعول الأمر إلا انه عبر عن المستقبل بلفظ الماضى لتحقق وقوعه لا يخلو عن شئ وجعل بعضهم الخطاب فى قراءة نافع للمؤمنين والتزام كون الخطاب السابق لهم ايضا على أنه ابتداء خطاب فى معرض الامتنان عليهم بما سبق الوعد به وقيل : إنه لجميع الكفرة وقال بعض أئمة التحقيق : القول بأن الخطاب عام للمؤمنين واليهود ومشركى مكة هو الذى يقتضيه المقام لئلا يقتطع الكلام ويقع التذييل بقوله سبحانه : والله يؤيد الخ موقع المسك فى الختام ثم إن من عد التعبير عن جماعة بطريق من الطرق الثلاثة مع التعبير بعد عن البعض بطريق آخر يخالفه منها من الالتفات قال بوجوده فى الآية على بعض احتمالاتها ومن لم يعد ذلك منه كما هو الظاهر أنكر الالتفات فيها وبهذا يجمع بين أقوال الناظرين فى الآية من هذه الحيثية واختلافهم فى وجود الالتفات وعدمه فيها فأمعن النظر فإنه لمثل هذا المبحث كله يدخر .
وقرأ ابن مصرف يرونهم على البناء للمفعول بالياء والتاء أى يريهم الله تعالى ذلك بقدرته رأى العين مصدر مؤكد ليرونهم على تقدير جعلها بصرية فمثليهم حينئذ حال ويجوز أن يكون مصدرا تشبيهيا على تقدير جعلها علمية اعتقادية أى رأيا مثل رأى العين فمثليهم حينئذ مفعول ثان وقيل : إن رأى منصوب على الظرفية أى فى رأى العين والله المتصف بصفات الجمال والجلال يؤيد أى يقوى بنصره أى بعونه وقيل : بحجته وليس بالقوى من يشاء أن يؤيده من غير توسط الاسباب المعتادة كما أيد الفئة المقاتلة فى سبيله وهو من تمام القول المأثور به إن فى ذلك المذكور من النصر وقيل : من تلك الرؤية لعبرة أى اتعلظا ودلالة وهى فعلة من العبور كالركبة والجلسة وهو التجاوز ومنه عبرت النهر وسمى الاتعاظ عبرة لان المتعظ يعبر من الجهل إلى العلم ومن الهلاك إلى النجاة والتنوين للتعظيم أى عبرة عظيمة كائنه لاولى الأبصر .
31 .
- جمع بصر بمعنى بصيرة مجازا أو بمعناه المعروف لذةى العقول والبصائر أو لمن أبصرهم ورآهم بعينى رأسه وهذه الجملة إما من تمام الكلام الداخل تحت القول مقررة لما قبلها بطريق التذليل وإما واردة من جهته تعالى تصديقا لمقالة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زين للناس كلام مستأنف سيق للتنفير عن الحظوظ النفسانية التى كثيرا ما يقع القتال بسببها إثر بيان حال الكفرة والتنصيص على عدم نفع أمولاهم وأولادهم لهم وقد كانوا يتعززون بذلك والمراد من الناس الجنس حب الشهوات أى المشهيات وجعلها نفس الشهوات إشارة إلى ما ركز فى الطباع من محبتها والحرص عليها حتى كأنهم يشتهون اشتهاءها كما قيل لمريض : ما تشتهى فقال : أشتهى أن أشتهى أو تنبيها على خستها لان الشهوات خسيسة عند الحكماء