وجوز أن يكون حالين كأنه قيل : التقتا مؤمنة وكافرة وفئة وأخرى على هذا نوطئه للحال وقرئ بالجر فيهما على البدلية من فئتين بدل بعض من كل والضمير العائد إلى المبدل منه مقدر على نحو ما مر ويسمى بدلا تفصيليا كما فى قوله : وكنت كذى رجلين رجل صحيحة ورجل رماها صائب الحدثان وقوله سبحانه : يرونهم مثليهم فى حيز الرفع صفة للفئة الاخيرة أو مستأنفة مبينة لكيفية الآية .
والمراد كما قال السدى : ترى الفئة الاخيرة الكافرة الفئة الاولى المؤمنة مثلى عدد الرائين وقد كانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا كلهم شاكو السلاح وعن على كرم الله تعالى وجهه وابن مسعود كانوا ألفا وسقف بيت حلهم وربطهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وفيهم من صناديد قريش ورؤساء الضلال أو جهل وأبو سفيان وغيرهم ومن الابل والخيل سبعمائة بعير ومائة فرس روى محمد بن الفرات عن سعيد بن أوس أنه قال : أسر المشركون رجلا من المسلمين فسألوه كم كنتم قال : ثلثمائة وبضعة عشر قالوا : ما كنا نراكم إلا تضعفون علينا وأرادوا ألفا واسعمائة وهو المراد من يرونهم مثلهم وزعم الفراء أنه يحتمل إرادة ثلاثة أمثالهم لانك إذا قلت : عندى ألف وأحتاج إلى مثليها فإنما تريد إلى ألفين مضافين اليها لا بدلا منها فهم كانوا يرونهم ثلاثة امثالهم وأنكر هذا الوجه الزجاج لمخالفته لظاهر الكلام أو مثلى عدد المرئيين أى ستمائة ونيفا وعشرين حيث كانوا عدة المرسلين سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون من الانصار وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمهاجرين على الكرار كرم الله تعالى وجهه وصاحب راية الانصار سعد بن عبادة وكان معهم من الابل سبعون بعيرا ومن الخيل فرسان فرس للمقداد بن عمرو وفرس لمرثد بن أبى مرثد ومن السلاح ست أدرع وثمانية سيوف وكان أكثرهم رجاله واستشهد منهم يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار وقد مرت إليه الاشارة وإنما أراهم الله تعالى كذلك مع أنهم ليسوا كذلك ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم وهو نوع من التأييد والمدد المعنوى وكان ذلك عند تدانى الفئتين بعد أن قللهم الله تعالى فى أعينهم عند الترائى ليجترءوا عليهم ولا يرهبوا فيهربوا حيث ينفع الهرب وذهب جماعة من العلماء إلى المراد ترى الفئة المؤمنة الفئة الكافرة مثلى أنفسهم مع كونهم ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ويطمئنوا بالنصر الموعود فى قوله تعالى : فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين قال شيخ الاسلام مولانا مفتى الديار الرومية : والاول هو أولى لان رؤية المثلين غير متعينة من جانب المؤمنين بل وقد وقعت رؤية المثل بل أقل منه أيضا فانه روى أن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا اليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ثم قللهم الله تعالى ايضا فى أعينهم حتى رأوهم عددا يسيرا أقل من أنفسهم قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه : لقد قللوا فى أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبى : تراهم سبعين قال : أراهم مائة فأسرنا منهم رجلا فقلنا كم كنتم قال : ألفا فلو اريد رؤية المؤمنين المشركين اقل من عددهم فى نفس الأمر كما فى الأنفال لكانت رؤيتهم إياهم أقل من أنفسهم أحق بالذكر فى كونها آية من رؤيتهم مثليهم على أن إبانة آثار قدرة الله تعالى وحكمته للكفرة بإراءتهم القليل كثيرا والضعيف قويا وإلقاء الرعب فى قلوبهم بسبب ذلك أدخل فى كونها آية لهم وحجة عليهم وأقرب إلى اعتراف المخاطبين بذلك لكثرة مخالطتهم للكفرة المشاهدين للحال وكذا تعليق الفعل بالفاعل أشد من تعلقه بالمفعول فجعل أقرب المذكورين السابقين فاعلا وأبعدهما مفعولا سواء جعل الجملة صفة أو مستأنفة أولى من العكس انتهى