منهم على حياله آمن بالله أى صدق به وبصفاته ونفى التشبيه عنه وتنزيهه عما لا يليق بمبريائه من نحو الشريك فى الألوهية والربوبية وغير ذلك وملئكته من حيث أنهم معصومون مطهرون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بإنزال الكتب وإلقاء الوحى ولهذا ذكروا فى النظم قبل قوله تعالى : وكتبه ورسله أى من حيث مجيئهما منه تعالى على وجه يليق بشأن كل منهما ويلزم الايمان التفصيلي فيما علم تفصيلا من كل من ذلك والاجمالى فيما علم إجمالا وإنما يذكر ههنا الايمان باليوم الآخر كما ذكر فى قوله تعالى : ولكن البر من آمن الخ لاندراجه فى الإيمان بكتبه والثوانى كثيرا ما يختصر فيها وقرأ ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وكتابه بالافراد فيحتمل أن يراد به القرآن بحمل الاضافة على العهد أو يراد الجنس فلا يختص به والفرق بينه وبين الجمع على ما ذهب اليه إمام الحرمين والزمخشري وروى عن الامام ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع لأن المفرد يتناول جميع الآحاد ابتداءا فلا يخرج عنه شئ منه قليلا أو كثيرا بخلاف الجمع فانه بستغرق الجموع أولا وبالذات ثم يسرى إلى الآحاد وهذا المبحث من معضلات علم المعانى وقد فرغ من تحقيقه هناك .
لا نفرق بين أحد من رسله فى حيز النصب بقول مقدر مسند إلى ضمير كل مراعى فيه اللفظ فيفرد أو المعنى فيجمع ولعله أولى والجملة منصوبة المحل على أنها حال من ضمير آمن أو مرفوعة على أنها خبر آخر لكل أى يقولون أو يقول : لا نفرق بين رسل الله تعالى بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل أهل الكتابين بل نؤمن بهم جميعا ونصدق بصحة رسالة كل واحد منهم وقيدوا إيمانهم بذلك تحقيقا للحق وتنصيصا على مخالفة اولئك المفرقين من الفريقين بإظهار الايمان بما كفروا به فلعنة الله على الكافرين .
ومن هنا يعلم أن القائلين هم آحاد المؤمنين خاصة إذ يبعد أن يسند اليه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يقول لا أفرق بين أحد من رسله وهو يريد إظهار إيمانه برسالة نفسه وتصديقه فى دعواها ومن اعتبر إدراج الرسول فى كل واستبعد هذا قال : بالتغليب ههنا ومن لم يستبعد إذ كان صلى الله تعالى عليه وسلم يأتى بكلمة الشهادة كما يأتى بها سائر الناس أو يبدل العلم فيها بضمير المتكلم لم يحتج إلى القول بالتغليب وعدم التعرض لنفى التفريق بين الكتب لاستلزام المذكور إياه وإنما لم يعكس مع تحقيق التلازم لما أن الاصل فى تفريق المفرقين هو الرسل وكفرهم بالكتب متفرع على كفرهم بهم وإيثار إظهار الرسل على الاضمار الواقع مثله فى قوله تعالى : وما أوتى التبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم إما للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة ولو على بعد فى الحكم وهو وإن لم يكن فيه بأس إلا أنه ليس فى التعرض له كثير جدوى إذ لا مزاحم فى الظاهر وإن كان فقليل أو للاشعار بعلة عدم التفريق أو للايماء إلى عنوانه لان المعتبر عدم التفريق من حيث الرسالة دون سائر الحيثيات وقرأ يعقوب وأبو عمرو فى رواية عنه لايفرق بالياء على لفظ كل وقرئ لا يفرقون حملا على معناه والجملة نفسها حينئذ حال او خبر على نحو ما تقدم فى القول المقدر ولا حاجة اليه هنا والكلام على أحد وإدخال بين عليه قد سبق فى تفسير قوله تعالى : لا نفرق بين أحد منهم وقالوا عطف على آمن والجمع باعتبار المعنى وهو حكاية لا متثالهم الاوامر والنواهى إثر حكاية إيمانهم سمعنا أى أجبنا وهو المعنى