أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية فنزلت فالجملة نوع تفصيل لبعض ما أجمل في الشرطية وبيان له ولذلك ترك العطف بينهما والمراد من الصدقات على ما ذهب إليه جمهور المفسرين صدقات التطوع وقيل : الصدقات المفروضة وقيل : العموم فنعما هي الفاء جواب للشرط ونعم فعل ماضي و ما كما قال ابن جني : نكرة تامة منصوبة على أنها تمييز وهي مبتدأ عائد للصدقات على حذف مضاف أي إبداؤها أو لا حذف والجملة خبر عن هي والرابط العموم وقرأ ابن كثير وورش وحفص بكسر النون والعين للإتباع وهي لغة هذيل قيل : ويحتمل أنه سكن ثم كسر لإلتقاء الساكنين وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل كعلم وقرأ ابو عمرو وقالون : وأبو بكر بكسر النون وإخفاء حركة العين وروي عنهم الإسكان أيضا وإختاره أبو عبيدة وحكاه لغة والجمهور على إختيار الإختلاس على الإسكان حتى جعله بعضهم من وهم الرواة وممن أنكره المبرد والزجاج والفارسي لأن فيه جمعا بين ساكنين على غير حده وإن تخفوها أي تسروها والضمير المنصوب إما للصدقات مطلقا وإما إليها لفظا لا معنى بناءا على أن المراد بالصدقات المبداة المفروضة وبالمخفاة المتطوع بها فيكون من باب عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر وفي جمع الإبداء والإخفاء من أنواع البديع الطباق اللفظي كما أن في قولى تعالى : وتوتوها الفقراء الطباق المعنوي لأنه لا يؤتي الصدقات إلا الأغنياء قيل : ولعل التصريح بإيتائها الفقراء مع أنه لابد منه في الإبداء أيضا لما أن الإخفاء مظنة الإلتباس والإشتباه فإن الغني ربما يدعي الفقر ويقدم على قبول الصدقة سرا ولا يفعل ذلك عند الناس وتخصيص الفقراء بالذكر إهتماما بشأنهم وقيل : إن المبداة لما كانت الزكاة لم يذكر فيها الفقراء لأن مصرفها غير مخصوص بهم والمخفاة لما كانت التطوع بين أن مصارفها الفقراء فقط وليس بشئ لأنه بعد تسليم أن المبدأة زكاة والمخفاة تطوع لا نسلم أن مصارف الثانية الفقراء فقط ودون إثبات ذلك الموت الأحمر وكأنه لهذا فسر بعضهم الفقراء بالمصارف فهو خير لكم أي فالإخفاء خير لكم من الإبداء و خير لكم من جملة الخيور والأول هو الذي دلت عليه الآثار والأحاديث في أفضلية الإخفاء أكثر من أن تحصى .
أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة أن أبا ذر قال : يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال : صدقة سر إلى فقير أو جهد من مقل ثم قرأ الآية وأخرج الطبراني مرفوعا إن صدقة السر تطفىء غضب الرب .
وأخرج البخاري سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إلى أن قال : ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه والأكثرون على أن هذه الأفضلية فيما إذا كان كل من صدقتي السر والعلانية تطوعا ممن لم يعرف بمال وإلا فإبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التهمة وكذا الإظهار أفضل لمن يقتدي به وأمن نفسه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صدقة السر في التطوع تفضل على علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمس وعشرين ضعفا وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها ويكفر عنكم من سيئاتكم أي والله يكفر أو الإخفاء والإسناد مجازي و من تبعيضية لأن الصدقات لا يكفر بها جميع السيئات وقيل : مزيدة على رأي الأخفش وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش ويعقوب نكفر والنون مرفوعا على أنه جملة مبتدأة أو أسمية معطوفة على ما بعد الفاء