لما كان كفرهم أعظم كفر اقتضى أشد عذاب والعذاب المزاد يوما فيوم من أشد العذاب وقيل غير ذلك فليتأمل إن للمتقين مفازا شروع في بيان أحوال المؤمنين أثر بيان سوء أحوال الكافرين ومفازا مصدر ميمي أو اسم مكان أي أن للذين يتقون عمل الكفر فوزا وظفرا بمساعيهم أو موضع فوز نجاة مما فيه أولئك أو موضع نجاة حدائق بدل اشتمال من مفازا على الأول وبدل البعض على الثاني والرابط مقدر وتقديره حدائق فيه أو هي في محله أو نحو ذلك وجوز أن يكون بدل كل على الأدعاء أو منصوبا بأعني مقدرا وهو جمع حديقة وهي بستان فيها أنواع الشجر المثمر زاد بعضهم والرياحين والزهر وقال الراغب قطعة من الأرض ذات ماء سميت بذلك تشبيها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها وكأنه أراد ذات ماء وشجر وأعنابا جمع عنب ويقال للكرم نفسه ولثمرته والمتبادر عطفه على حدائق قبله وهو بعض منها إذا أريد به الروم وبها الأشجار وموضعها وخص بالذكر اعتناء به وأما إن أريد به الكروم وبها الموضع فقط فلا ويتعين الأشتمال كما إذا أريد به ثمرات الكروم وجوز أن يكون هو وكذا ما بعد عطفا على مفازا وكواعب جمع كاعب وهي المرأة التي تكعب ثدياها واستدار مع ارتفاع يسير ويكون ذلك في سن البلوغ وأحسن التسوية أترابا أي لدات ينشأن معا تشبيها في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر أو لوقوعهن معا على التراب أي الأرض وفي بعض التفاسير نساء الجنة كلهن بنات ست عشرة سنة ورجالهن أبناء ثلاث وثلاثين وكأسا دهاقا أي مترعة يقال دهق فلان الحوض وأدهقه أي ملأه عن ابن عباس أنه فسره بذلك وأنشد قول الشاعر أتانا عامر يبغي قرانا .
فاترعنا له كأسا دهاقا وفي البحر الدهاق الملأي مأخوذ من الدهق وهو ضبط الشيء وشده باليد كأنه لأمتلائه انضغط وعن مجاهد وجماعة تفسيره بالمتتابعة وصحح الحاكم عن ابن عباس ما رواه غير واحد أنه قالهي الممتلئة المترعة المتتابعة وربما سمعت العباس يقول يا غلام اسقنا وادهق لنا وأخرج ابن جرير عن عكرمة أنه قال أي صافية ولا يخلو عن كدر والجمهور على الأول لا يسمعون فيها أي في الجنة وقيل في الكأس وجعلت الفاء للسببية لغوا هو لا يعتد به من الكلام وهو على ما قال الراغب الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطير وقد يسمى كل كلام قبيح لغوا وكذا ما لا يعتد به مطلقا ولا كذابا أي تكذيبا وقريء بالتخفيف أي كذابا أو مكاذبة وقد تضمنت هذه المذكورات أنواعا من الذات الحسية كما لا يخفى جزآء من ربك مصدر مؤكد منصوب بمعنى أن للمتقين مفازا فإنه في قوة أن يقال جازى المتقين بمفازا جزاء كائنا من ربك والتعرض لعنوان الربوبية للأشارة إلى أن ذلك حصل بترتيبه وإرشاده تعالى وإضافة الرب إلى ضميره E دونهم لتشريفه صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل لم يقل من ربهم لئلا يحمله المشركون على أصنامهم وهو بعيد جدا ويعلم مما ذكرنا وجه ترك من ربك فيما تقدم من قوله تعالى جزاء وفاقا وعدم التعرض هناك لنسبة الجزاء إليه تعالى بعنوان آخر قيل من باب اللهم أن الخير بيديك والشر ليس إليك وقوله تعالى عطاء أي تفضلا وإحسانا منه D إذ لا يجب عليه سبحانه شيء بدل من جزاء فمعنى كونه جزاء أنه كذلك بمقتضى وعده وجوز أن يكون نصبا بجزاء نصب المفعول به وتعقب أبو حيان بأن جزاء مصدر مؤكد لمضمون الجملة والمصدر المؤكد لا يعمل بلا خلاف لعلمه عند النحاة لأنه لا ينحل لفعل وحرف مصدري ورد بأن ذلك إذا كان الناصب للمفعول المطلق مذكورا أما