كالمهاد وعليه فالمهد بمعن ويؤيده قراءة مجاهد وعيس الهمداني مهدا وفي الآية حينئذ تشبيه بليغ وكل منهما مصدر سمي به ما يمهد وجوز أن يكون باقيا على المصدرية والوصف بالمصدر كثير أو التقدير ذات مهاد أو مهد وقيل كما يمكن أن يكون المهاد مصدرا سمي به المفعول يحتمل أن يكون فعالا أي اسما على زنته يؤخذ للمفعول كالاله والإمام وجعل الأرض مهادا إما في أصل الخلقة أو بعدها وأيا ما كان فلا دلالة في الآية على ما ينافي كريتها كما هو المشهور من عدة مذاهب ومذهب أهل الهيئة المحدثين أنها مسطحة عند القطبين لأنها كانت لينة جدا في مبدأ الأمر لظهور غاية الحرارة الكامنة فيها اليوم فيها إذ ذاك وقد تحركت على محورها فاقتضى مجموع ذلك صيرورتها مسطحة عندهما عندهم وأهل الشرع لا يقولون بذلك ولا يتم للقائل به دليل حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها والجبال أوتادا أي كالأوتاد ففيه تشبيه بليغ أيضا والمراد أرسينا الأرض بالجبال كما يرسي البيت بالأوتاد قال إلا فوه والبيت لا يبتني إلاله عمد .
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد وفي الحديث خلق الله تعالى الأرض فجعلت تميد فوضع عليها الحبال فاستقرت فقالت الملائكة ربنا هل خلقت خلقا أشد من الجبال قال نعم الحديد فقالت ربنا هل خلقت خلقا أشد من الحديد قال نعم النار فقالوا ربنا هل خلقت خلقا أشد من النار قال نعم الماء فقالوا ربنا هل خلقت خلقا أشد من الماء قال نعم الهواء فقالوا ربنا هل خلقت خلقا أشد من الهواء قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفي ذلك عن شماله وظاهره كغيره أن خلق الجبال بعد خلق الأرض وإليه ذهب الفلاسفة المتقدمون والمحدثون وهي متفاوتة عندهم في الحدوث تقدما وتأخرا وجاء في حديث رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس أن أول جبل أبو قبيس وفي كيفية حدوثها منذ حدثت خلاف عندهم وقد يتلاشى ما حديث منها بطول الزمان إن الجديدين إذا ما استوليا على جديد أسلماه للبلي وربما يشاهد حدوث بعض تلاع حجرية من انجماد بعض المياه واستشكل احتياجها للأرساء بالجبال مع طلبها للمركز بثقلها المطلق وأجيب بأنه قد علم الله تعالى أنها ستكن ويكون عليها من الأثقال ما يكون ومن المعلوم أنها حينئذ يكون لها مركزان مركز حجم ثقل والذي ينطبق منهما على مركز العالم إنما هو مركز الثقل فيلزم من تحرك ثقيل إلى جهة المشرق مثلا عليها تحركها لاختلاف مركز ثقلها ولزوم انطباقه على مركز العالم فيحصل الميد ولم تكن إذ ذاك بحيث لا يكون لما يكون عليها من أثقال سكنتها قدر يحس به فوضعت عليها الجبال وانطبق مركز ثقلها على مركز العالم وصار مجموع الأرض والجبال بحيث لا يظهر للمتحرك بعد قدر يحس به وقيل أنها كانت لخفتها بحيث يحركها أمواج البحر المحيط بها فيحصل الميد فثقلت بالجبال مع ما في الجبال من المنافع الجمة التي لم تخلق الأرض لأجلها بحيث لا تحركها الأمواج وتمام الكلام في ذلك حسبما كنا واقفين عليه قد مر فتذكر وحكى عن بعض أن جعلها كذلك بمعنى جعلها سببا لانتظام أهل الأرض بما أودع فيها من المنافع ولولاها لمادت بهم أي لما تهيأت للأنتفاع بها ولاختل أمر سكناهم إياها وهو تأويل مناف للظواهر لا يحتاج إليه ما لم يقم الدليل القطعي كل محالية إرادة الظاهر نعم قيل أن هذا أقرب للتقرير فإن جعلها أوتادا بهذا المعنى أظهر من جعلها كذلك بذلك المعنى وأقرب إلى العلم به وربما يقال إنه أوفق لترك إعادة العامل ومن لا يراه يجعل النكتة فيه قوة ما بين الأرض والجبال من الأشتراك والأرتباط فافهم وخلقناكم عطف على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه فإنه في قوة إما جعلنا الخ أو على ما يقتضيه الإنكار التقريري فإنه في قوة أن يقال قد جعلنا الخ والألتفات إلى الخطاب هنا بناء على القراءة المشهورة في سيعلمون