فإنه ينبيء عن كون نفسه خلقت على أتم ما ينبغي من مكارم الصفات بحيث لا مزيد على ذلك فضمير قدروها للأبرار المطاف عليهم أو قدروا شرابها على قدر الري وهو ألذ للشارب قال ابن عباس أتوا بها الحاجة لا يفضلون شيئا ولا يشتهون بعدها شيئا وعن مجاهد تقديرها أنها ليست بالملاي التي تفيض ولا بالناقصة التي تغيض فالضمير على ما هو الظاهر للسقاة الطائفين بها المدلول عليه بقوله تعالى يطاف عليهم وقد روي عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه قال قدرتها السقاة وقيل المعنى قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها والضمير على هذا قيل للملائكة وقيل للسقاة وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس والسلمي والشعبي وقتادة وزيد بن علي والجحدري والأصمعي عن أبي عمرو وابن عبد الخالق عن يعقوب وغيرهم قدروها علىالبناء للمفعول واختلف في تخريجها فقال أبو علي كان اللفظ قدروا عليها وفي المعنى قلب لأن حقيقته أن يقال قدرت عليهم فهو نحو قوله تعالى ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة وقول العرب إذا طلعت الجوزاء ارتقى العود على الحرباء وقال الزمخشري وجه ذلك أن يكون من قدرت الشيء بالتخفيف أي بينت مقدراه فنقل إلىالتفعيل فتعدى لأثنين أحدهما الضمير النائب عن الفاعل والثاني ها والمعنى جعلوا قادرين لها كما شاؤا وأطلق لهم أن يقدروا على حسبما اشتهوا وقال أبو حيان قدرت الأواني على قدر ريهم ففسر بعضهم هذا بأن في الكلام حذفا وهو أنه كان قدر على قدر ريهم إياها فحذف على فصار قدر نائب الفاعل ثم حذف فصار ريهم نائب الفاعل ثم حذف وصاروا والجمع ناسب الفاعل واتصل المفعول الثاني بقدر فصار قدرها وقا أبو حيان الأقرب أن يمون الأصل قدر ريهم منها تقديرا محذف المضاف وهو الري وأقيم الضمير مقامه فصار قدروا منها ثم اتسع في الفعل فحذفت من ووصل الفعل إلى الضمير بنفسه فضار قدروها فلم يكن فيه الأحذف مضاف واتساع في المجرور ولا يخفى أن القلب زيف وما قرره البعض تكلف جدا وفي كونه ما اختاره أبو حيان أقرب مما اختاره جار الله نظر ولعله أكثر تكلفا منه وقوله تعالى ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا يجري فيه معظم ما جرى في قوله تعالى يشربون من كأس كان مزاجها كافورا الخ من الأوجه والزنجبيل قال الدينوري نبت في أرض عمان وهو عرق تسري في الأرضو ليسب شجرة ومنهما يحمل من بلاد الزنج والصين وهو الأجود وكانت العرب تحبه لأنه يوجب لذعا في اللسان إذا مزج بالشراب فيلتذون ولذا يذكرونه في وصف رضاب النساء قال الأعشى كان القرنفل والزنجبيل .
باتا بفيها واريا مسورا وقال عمرو المسيب بن علس وكان طعم الزنجبيل به .
إذ ذقته وسلافةالخمر وعده بعضهم في المعربات وكون الزنجبيل اسما لعين في الجنة مروي عن قتادة وقال يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة والظاهر أنهم تارة يشربون من كأس مزاجها كافور وتارة يسقون من كأس مزاجها زنجبيل ولعل ذكر يسقون هنا دون يشربون لأنه الأنسب بما تقدمه من قوله تعالى ويطاف عليهم الخ ويمكن أن يكون فيه رمز إلى أن هذه الكأس أعلى شأنا من الكأس الأولى وعن الكلبي يسقى بجامين الأول مزاجه الكافور والثاني مزاجه الزنجبيل والسلسبيل كالسلسل والسلسال قال الزجاج ما كان من الشراب غاية في السلاسة وسهولة الأنحدار في الحلق وقال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن وكأن العين إنما سميت بذلك لسلامتها وسهولة مساغها قال عكرمة عين سلسل ماؤها وقال مجاهد حديدة الجري سلسة سهلة المساغ وقال مقاتل عين يتسلسل عليهم ماؤها في مجالسهم كيف شاؤا وهي على ما روي عن قتادة عين تنبع