فأنذر مثلها نصحا قريشا ... من الرحمن إن قبلت نذيري .
وهو مضاف إلى ياء الضمير والقراء مختلفون فيها فمنهم من حذفها وصلا وأثبتها وقفا ومنهم من حذفها في الحالين اكتفاء بالكسرة والمعنى فستعلمون ما حال إنذاري وقدرتي على إيقاعه عند مشاهدتكم للمنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ وقريء شاذا فسيعلمون بالياء التحتانية .
ولقد كذب الذين من قبلهم أي من قبل كفار مكة من كفار الأمم السالفة قوم نوح وعاد وأضرابهم والإلتفات إلى الغيبة لإبراز الإعراض عنهم .
فكيف كان نكير أي إنكاري عليهم بإنزال العذاب أي كان على غاية الهول والفظاعة وهذا هو مورد التأكيد القسمي لا تكذيبهم فقط الكلام في نكير كالكلام في نذير وفي الكلام من المبالغة في تسلية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتشديد التهديد لقومه ما لا يخفى .
أو لم يروا أغفلوا ولم ينظروا إلى الطير فوقهم صافات باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها أعني ما تقدم من ريشها صفا ونصب صافات على الحال من الطير أو من ضميرها في فوقهم وهو في موضع الحال فتكون الحال متداخلة وجوز أن يكون ظرفا لصافات أو ليروا ومفعول صافات على الإحتمالات محذوف كما أشرنا إليه وناسب ذكر الإعتبار بالطير ذكر التوعد بالحاصب لا سيما إذا فسر بالحجارة إذ قد أهلك الله تعالى بذلك أصحاب الفيل حينما رمتهم به الطير ففي ذلك إذكار قريش بتلك القصة .
ويقبضن ويضممن أجنحتهن إذا ضربن بها جنوبهن والعطف على صافات لأن المعنى يصففن ويقبضن أو صافات وقابضات وعطف الفعل على الاسم في مثله فصيح شائع وعكسه جائز حسن إلا عند السهيلي فإنه عنده قبيح نحو قوله .
بات يعشيها بعضب باتر ... يقصد في أسوقها وجائر .
فإنه أراد قاصد وجائر ولما كان أصل الطيران هو صف الأجنحة لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل فيها مد الأطراف وبسطها وكان القبض طارئا على البسط للإستظهار به على التحرك جيء بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل وبما هو أصل بلفظ الاسم على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة ويتجدد حينا أثر حين كما يكون من السابح .
ما يمسكهن في الجو عند الصف والقبض على خلاف مقتضى طبيعة الأجسام الثقيلة من النزول إلى الأرض والإنجذاب إليها .
إلا الرحمن الواسع في رحمته كل شيء حيث برأهن D على أشكال وخصائص وألهمهن حركات قد تأتى منها الجري في الهواء والجملة مستأنفة أو حال من الضمير في يقبضن وقرأ الزهري ما يمسكهن بالتشديد .
إنه بكل شيء بصير دقيق العلم فيعلم سبحانه وتعالى كيفية إبداع المبدعات وتدبير المصنوعات ومن هذا خلقه D للطير على وجه تأتى به جريه في الجو مع قدرته تعالى أن يجريه فيه بدون ذلك إلا أن الحكمة اقتضت ربط المسببات بأسبابها وليس فيما ذكرنا نزوع إلى ما يضر من أقوال أهل الطبيعة لأن كون طبيعة الأجسام الثقيلة ما سمعت أمر محسوس لا ينكره إلا من كابر حسه ومثله كون الإمساك بالسبب السابق وكونه سببا من آثار رحمته تعالى الواسعة وأبى ذلك أبو حيان توهما منه أنه نزوع إلى ما يضر من أقوال أهل الطبيعة وقال نحن نقول أن أثقل الأشياء إذا أراد الله سبحانه إمساكه في الهواء واستعلاءه إلى العرش كان ذلك وإذا أراد جل شأنه إنزال ما هو أخف سفلا إلى منتهى ما ينزل كان أيضا وليس ذلك لشكل أو ثقل أو خفة ونحن لا ننكر أن الله تعالى على كل شيء قدير وأنه سبحانه فعال لما يريد وأنه لا يتوقف فعله D على السبب عقلا بيد أنا نقول أنه تعالى اقتضت حكمته في هذا العالم ذلك الربط وهو أمر عادي اختاره تعالى حكمة وتفضلا ولو