ورجح القولان الأخيران بأن ما بعد أشد ملاءمة لهما وبين الوضع والرفع عليهما تقابل وقد قرأعبد الله وخفض الميزان والأول بانه أتم فائدةفزن ذلك بميزان ذهنك ألا تطغوا في الميزان أي لئلا تطغوا فيه أي حقه وشأنه بأن تعتدوا وتتجاوزوا ما ينبغي فيه على أن أن ناصبة و لا نافية ولام العلة مقدرة متعلقة بقوله تعالى : وضع الميزان وجوز ابن عطية والزمخشري كون أن تفسيرية و لا ناهية .
واعترضه أبو حيانبأنه لم يتقدم جملة فيها معنى القول وهو شرط في صحة جعل أن مفسرة وأجيب بأن وضع الميزان فيه ذلك لأنه بالوحي وإعلام الرسل عليهمالسلام وزعم بعضهم أن التفسير متعين لأنه لا معنى لوضع الميزان لئلا تطغوا في الميزان إذ المناسب الموزون ونحوه وفيه ما لا يخفى وفي البحر قرأ إبراهيم ووضع الميزان بإسكان الضاد وخفض الميزان على أن وضع مصدر مضاف إلى ما بعده ولم يبين هل وضع مرفوع أو منصوب فإن كان مرفوعافالظاهر أنه مبتدأ وأن لا تطغوا بتقدير الجار في موضع الخبر وإن كان منصوبا فالظاهر أن عامله مقدر أي وفعل وضع الميزان أو وضع الميزان أن لا تطغوا الخ وقرأعبد الله لا تطغوا بغير أن على إرادة القول أي قائلا أو نحوه لا قل كما قيل و لا ناهية بدليل الجزم .
وأقيموا الوزن بالقسط قوموا وزنكم بالعدل وقال الراغب : هذا إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال وعن مجاهدأن المعنى أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذوالإعطاء وقال سفيان بن عيينة : الإقامة باليد والقسط بالقلب والظاهر أن الجملة عطف علىالجملة المنفية قبلها ولا يضر في ذلك كونها إنشائية وتلك خبرية لأنها لتأويلها بالمفرد تجردت عن معنى الطلب وجعل بعضهم لا في الأولى مطلقاناهية حرصاعلى التوافق ولا تخسروا الميزان .
9 .
- أي لا تنقصوه فإن منحقه أن يسوي لأنهالمقصود من وضعه وكرر لفظ الميزان بدون إضماره كما هو مقتضى الظاهر تشديدا للتوصية وتأكيدا للأمر باستعماله والحث عليه بل في الجمل الثلاث تكرار ما معنى لذلك وقريء ولاتخسروا بفتح التاء وضم السين وقرأزيد بن علي وبلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين .
وحكى ابن جني وصاحب اللوامح عن بلاب أنه قرأبفتحهما وخرج ذلك الزمخشري على أن الأصل ولا تخسروا في الميزان فحذف الجار وأصل الفعل بناءاعلى أنه لم يجيء إلالازما وتعقبه أبو حيان بأن خسر قد جاء متعدياكقوله تعالى : خسروا أنفسهم وخسر الدنيا والآخرة فلا حاجة إلى دعوى الحذف والإيصال وأجيب بأنه على تقدير أن يكون متعديا هنا لا بد من القول بالحذف والإيصال لأن المعنى على حذفالمفعول به أي لا تخسروا أنفسكم في الميزان أي لا تكونوا خاسرين يوم القيامة بسبب الميزان بان لا تراعوا ما ينبغي فيه والراغب جوز حمل الآية على القراءة المشهورة على نحو هذا فقال : إن قوله تعالى : وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان يجوز أن يكون إشارة إلى تحري العدالة فيالوزن وترك الحيف فيما يعاطاه فيه ويجوز أن يكون إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به في القيامة خاسرا فيكون ممن قال سبحانه فيه : من خفف موازينه وكلا المعنيين متلازمان وقيل : المعنى على التعدي بتقدير مضاف أي موزون الميزان أو جعل الميزان مجازاعن الموزون فيه فتأمل ولا تغفل والأرض وضعها خلقها موضوعة مخفوضة عن السماءحسبما يشاهد وقال الراغب : الوضع هنا الإيجاد والخلق وكأن مراده ما ذكر وقيل : أي خفضها مدحوة على الماء