بفعل عمر رضي الله تعالى عنه السابق وفيه نظر وقد جاء في بعض الروايات عنه ما يخالف ذلك .
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والخرائطي أيضا عن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور بن مخرمة عن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع عمر رضي الله تعالى عنه ليلة المدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر : وأخذ بيد عبد الرحمن أتدري بيت من هذا هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف الآن شرب قال : أرى أن قد أتينا ما نهى الله تعالى عنه قال الله تعالى : ولا تجسسوا فقد تجسسنا فانصرف عمر رضي الله تعالى عنه عنهم وتركهم ولعل القصة إن صحت غير واحدة ومنالتجسس على ما قال الأوزاعي الأستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون فهو حرام أيضا .
ولا يغتب بعضكم بعضا أي لا يذكر بعضكم بعضا بما يكره في غيبته فقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : أتدرون ما الغيبة قالوا : الله ورسوله أعلم قال : ذكرك أخاك بما يكره قيل : أفرأيت لو كان أخي ما أقول قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم .
والمراد بالذكر الذكر صريحا أو كناية ويدخل في الأخير الرمز والأشارة ونحوهما إذا أدت مؤدي النطق فإن علة النهي عن الغيبة الإيذاء بتفهيم الغير بنقصان المغتاب وهو موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب بأي وجه كان من طرق الأفهام وهي بالفعل كأنتمشي مشية أعظم الأنواع كما قاله الغزالي والمراد بما يكره أعم من أن يكون في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو مملوكه أو خادمه أو لباسه أو غير ذلك مما يتعلق به وخصه القفال بالصفات التي لا تذم شرعا فذكر الشخص بما يكره مما يذم شرعا ليس بغيبة عنده ولا يحرم واحتج على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلّم : اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس وما ذكره لا يعول عليه والحديث ضعيف وقال أحمد منكر وقال البيهقي : ليس بشيء ولو صح محمول على فاجر معلن بفجوره والمراد بقولنا غيبته غيبته عن ذلك الذكر سواء كان حاضرا في مجلس الذكر أولا وفي الزواجر لا فرق في الغيبة بين أن تكونفي غيبة المغتاب أو بحضرته هو المعتمد وقد يقال : شمول الغيبة للذكر بالحضور على نحو شمول سجود السهو لما كان عن ترك ما يسجد له عمدا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا تمثيل لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على أفحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى الأستفهام التقريري من حيث أنه لا يقع إلا في كلام هو مسلم عند كل سامع حقيقة أو ادعاء وإسناد الفعل إلى أحد إيذانا بأن أحدا من الأحدين لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة وتمثيل الأغتياب بأكل لحم الأنسان وجعل المأكول أخا للكل وميتا وتعقيب ذلك بقوله تعالى : فكرهتموه حملا على الأقرار وتحقيقا لعدم محبة ذلك أو لمحبته التي لا ينبغي مثلها وفي المثل السائر كني عن الغيبة بأكل الأنسان للحم مثله لأنها ذكر المثالب وتمزيق الأعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه في استكراه العقل والشرع له وجعله ميتا لأن المغتاب لا يشعر بغيبته ووصله بالمحبة لما جبلت عليه النفوس من الميل إليها مع العلم بقبحها وقال أبو زيد السهيلي : ضرب المثل لأخذ العرض بأكل اللحم لأن اللحم ستر على العظم والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه وكأنه أولى مما في المثل والفاء في فكرهتموه فصيحة في جواب شرط مقدر ويقدر معه قد أي أن صح ذلك أو أعرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولايمكنكم إنكار كراهته والجزائية باعتبار التبين والضمير المنصوب للأكل