هنا الأنقياد والأخلاص ليفيد ذكره بعد الأيمان فإذا جعل حالا أفاد بعد تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الأيمان وكان تدل على الأستمرارأيضا ومن هنا جاء التأكيد والأبلغية بخلاف العطف وكذا الحال المفردة بأن يقال : الذين آمنوا بآياتنا مخلصين وقرأ غير واحد من السبعة يا عبادي بالياء على الأصل والحذف كثير شائع وبه قرأ حفص وحمزة والكسائي وقرأ ابن محيصن لا خوف بالرفع من غير تنوين والحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى وابن عمر ويعقوب بفتحها من غير تنوين أدخلوا أنتم وأزواجكم نساؤكم المؤمنات فالأضافة للأختصاص التام فيخرج من لم يؤمن منهن تحبرون .
70 .
- تسرون سرورا يظهر حباره أي أثره من النضرة والحسن على وجوهكم كقوله تعالى : تعرف وجوهكم نضرة النعيم أو تزينون من الحبر بفتح الحاء وكسرها وهوالزينة وحسن الهيئة وهذا متحد بما قبله معنى والفرق في المشتق منه وقال الزجاج : أيتكرمون كراما يبالغ فيه والحبرة بالفاتح المبالغة في العمل الموصوف بأنه جميل ومنه الإكرام فهو في الأصل عام أريد به بعض أفرادها هنا يطاف عليهم بعد دخولهم الجنة حيثما أمروا به بصحاف من ذهب وأكواب كذلك والصحاف جمع صحفة قيل هي كالقصعة وقيل : أعظم أواني الأكل الجفنة ثم القصعة ثم الصحفة ثم الكلية .
والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عورة له هذامعنى قول مجاهد لا إذن له وهو على ما روي عن قتادة دون الأبريق وقال : بلغنا أنه مدور الرأس ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأول جمع كثرة والثاني جمع قلة وقد تظاهرت الأخبار بكثرة الصحاف أخرج ابن المبارك وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صفحتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله يأكل من آخرها مثل ما يأكل من أولها يحد لآخرها من الطيب واللذة مثل الذي يجد لأولها ثم يكون ذلك كرشح المسك الأذفر لا يبولون ولايتغوطون ولا يمتخطون إخوانا على سرر متقابلين وفي حديث رواه عكرمة إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل بعده أحد يفسح له في بصره مسيرة عام في قصور من ذهبو خيام من لؤلؤ ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدى عليه كل يوم ويراح بسبعين ألف صفحة في كل صفحة لون ليس في الأخرى مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها لو نزل عليه جميع أهل الأرض لو سمع عليهم مما أعطي لا ينقص ذلك مما أوتي شيئا وروي ابن أبي شيبة هذا العدد عن كعب أيضا وإذا كان ذلك للأدنى فما ظنك بالأعلى رزقنا الله تعالى ما يليق بجوده وكرمه .
وأما أبو الحرث عن الكسائي كما ذكر ابن خالويه بصحاف وفيها أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس من فنون الملاذ وتلذ الأعين أي تستلذ وتقر بمشاهدته وذكر ذلك الشامل لكل لذة ونعيم بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم والترفه تعميم بعد تخصيص كما أن ذكر لذة العين التي هي جاسوس النفس بعد اشتهاء النفس تخصيص بعد تعميم وقال بعض الأجلة : إن قوله تعالى : يطاف عليهم بصحاف دل على الأطعمة وأكواب على الأشربة ولا يبعد أن يحمل قوله سبحانه : وفيها ما تشتهيه الأنفس على المنكح والملبس وما يتصل بهما ليتكامل جميع المشتهيات النفسانية فبقيت اللذة الكبرى وهي النظر إلى وجه الله تعالى الكريم