فنزلت هذه الآية فأعلمهم سبحانه أن الإصلاح لهم خير الأشياء وأن مخالطتهم في التزويج مع تحري الإصلاح جائزة وبأن فيه على هذا الوجه تأسيسا إذ المخالطة بالشركة فهمت مما قبل وبأن المصاهرة مخالطة مع اليتيم نفسه بخلاف ما عداها وبأن المناسبة حينئذ لقوله تعالى : فإخوانكم ظاهرة لأنها المشروطة بالإسلام فإن اليتيم إذا كان مشركا يجب تحري الإصلاح في مخالطته فيما عدا المصاهرة وبأنه ينتظم على ذلك النهي الآتي بما قبله كأنه قيل : المخالطة المندوبة إنما هي في اليتامى الذين هم إخوانكم فإن كان اليتيم من المشركات فلا تفعلوا ذلك ولا يخفى أن ما نقله الزجاج أضعف من الزجاج إذ لم يثبت ذلك في أسباب النزول في كتاب يعول عليه والزجاج وأمثاله ليسوا من فرسان هذا الشأن وبأن التأسيس لا ينافي الحث على المخالطة لما أن القوم تجنبوا عنها كل التجنب وأن إطلاق المخالطة أظهر من تخصيصها بخلط نفسه وأن المناسبة والإنتظام حاصلان بدخول المصاهرة في مطلق المخالطة والله يعلم المفسد في أمورهم بالمخالطة من المصلح لها بها فيجازي كلا حسب فعله أو نيته ففي الآية وعيد ووعدهم وقدم المفسد إهتماما بإدخال الروع عليه وأل في الموضعين للعهد وقيل : للإستغراق ويدخل المعهود دخولا أوليا وكلمة من للفضل وضمن يعلم معنى يميز فلذا عداه بها ولو شاء الله لأعنتكم أي لضيق عليكم ولم يجوز لكم مخالطتهم أو لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاقاله إبن عباس رضي الله تعالى عنهوأصل الأعنات الحمل على مشقة لا تطلق ثقلا ويقال : عنت العظم عنتا إذا أصابه وهن أو كسر بعد جبر وحذف مفعول المشيئة لدلالة الجواب عليه وفي ذلك إشعار بكمال لطفه سبحانه ورحمته حيث لم يعلق مشيئته بما يشق علينا في اللفظ أيضا وفي الجملة تذكير بإحسانه تعالى على أوصياء اليتامى إن الله عزيز غالب على أمره لا يعجزه أمر من الأمور التي من جملتها إعناتكم حكيم 022 فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة التي هي أساس التكليف وهذه الجملة تذييل وتأكيد لما تقدم من حكم النفي والإثبات أي ولو شاء لأعنتكم لكونه غالبالكنه لم يشأ لكونه حكيما وفي الآيةكما قال الكيادليل لمن جوز خلط مال الولي بمال اليتيم والتصرف فيه بالبيع والشراء ودفعه مضاربة إذا وافق الإصلاح وفيها دلالة على جواز الإجتهاد في أحكام الحوادث لأن الإصلاح الذي تضمنته الآية إنما يعلم من الإجتهاد وغلبة الظن وفيها دلالة على أنه لا بأس بتأديب اليتيم وضربه بالرفق لإصلاحه ووجه مناسبتها لما قبلها أنه سبحانه لما ذكر السؤال عن الخمر والميسر وكان في تركها مراعاة لتنمية المال ناسب ذلك النظر في حال اليتيم فالجامع بين الآيتين أن في ترك الخمر والميسر إصلاح أحوالهم أنفسهم وفي النظر في أحوال اليتامى إصلاحا لغيرهم ممن هو عاجز أن يصلح نفسه فمن ترك ذلك وفعل هذا فقد جمع بين النفع لنفسه ولغيره ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن روى الواحدي وغيره عن إبن عباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث رجلا من غنى يقال له مرثد بن أبي مرثد حليفا لبني هاشم إلى مكة ليخرج أناسا من المسلمين بها أسرى فلما قدمها سمعت به أمرأة يقال لها عناق وكانت خليلة له في الجاهلية فلما أسلم أعرض عنها فأتته فقالت : ويحك يامرثد ألا تخلو فقال لها : إن الإسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا ولكن إن شئت تزوجتك فقالت : نعم فقال إذا رجعت إلى رسول الله أستأذنته في ذلك ثم تزوجتك فقالت له : أبي تتبرم ثم أستعانت عليه فضربوه ضربا وجيعا ثم خلوا سبيله فلما قضى