والبأساء البؤس والفقر والضراء السقم والوجع وهما مصدران بنيا على فعلاء وليس لهما أفعل لأن أفعل وفعلاء في الصفات والنعوت ولم يأتيا في الأسماء التي ليست بنعوت وقريء والصابرون كما قريء والموفين .
وحين البأس .
أي وقت القتال وجهاد العدو وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى الأشد لأن الصبر على المرض فوق الصبر على الفقر والصبر على القتال فوق الصبر على المرض وعدى الصبر على الأولين بقى لأنه لايعد الإنسان من الممدوحين إذا صبر على شيء من ذلك إلا إذا صار الفقر والمرض كالظرف له .
وأما إذا أصاباه وقتا ما وصبر فليس فيه مدح كثير إذ أكثر الناس كذلك وأتى بحينفي الأخير لأن القتال حالة لا تكاد تدوم في أغلب الأوقات أولئك الذين صدقوا .
في إيمانهم أو طلب البر .
وأولئك هم المتقون 771 .
عذاب الله تعالى بتجنب معاصيه وإمتثال أوامره وأتى بخبر أولئك الأولى موصولا بفعل ماض إيذانا بتحقق إتصافهم به وإن ذلك قد وقع منهم وأستقر وغاير في خبر الثانية ليدل على أن ذلك ليس بمتجدد بل صار كالسجية لهم وأيضا لو أتى به على طبق سابقه لما حسن وقوعه فاصلة هذا والآية كما ترى مشتملة على خمس عشرة خصلة وترجع إلى ثلاثة أقسام فالخمسة الأولى منها تتعلق بالكمالات الإنسانية التي هي من قبيل صحة الإعتقاد وآخرها قوله : والنبيين وأفتتحها بالإيمان بالله واليوم الآخر لأنهما إشارة إلى المبدأ والمعاد اللذين هما المشرق والمغرب في الحقيقة فيلتئم مع ما نفاه أولا غاية الإلتئام والستة التي بعدها تتعلق بالكمالات النفسية التي هي من قبيل حسن معاشرة العباد وأولها وآتى المال وآخرها وفي الرقاب والأربعة الأخيرة تتعلق بالكمالات الإنسانية التي هي من قبيل تهذيب النفس وأولها وأقام الصلاة وآخرها وحين البأس ولعمري من عمل بهذه الآية فقد أستكمل الإيمان ونال أقصى مراتب الإيقان ومن باب التأويل ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل مشرق عالم الأرواح ومغرب عالم الأجساد فإن ذلك تقيد وإحتجاب ولكن البر بر الموحد الذي آمن بالله والمعاد في مقام الجمع وشاهد الجمع في تفاصيل الكثرة ولم يحتجب بالجمع عن التفصيل الذي هو باطن عالم الملائكة وظاهر عالم النبيين والكتاب الجامع بين الظاهر والباطن وآتى العلم الذي هو مال القلب مع كونه محبوبا ذوي قربى القوى الروحانية القريبة منه ويتامى القوى النفسانية المنقطعة عن الأب الحقيقي وهو نور الروح ومساكين القوى الطبيعية التي لم تزل دائمة السكون إلى تراب البدن وأبناء السبيل السالكين إلى منازل الحق والسائلين الطالبين بلسان إستعدادهم ما يكون غذاء لأرواحهم وفي فك رقاب عبدة الدنيا وأسراء الشهوات بالوعظ والإرشاد وأقام صلاة الحضور وآتى ما يزكي نفسه بنفي الخواطر ومحو الصفات والموفون بعهد الأزل بترك المعارضة في العبودية والإعراض عما سوى الحق في مقام المعرفة والصابرين في بأساء الإفتقار إلى الله تعالى دائما وضراء كسر النفس وحين بأس محاربة العدو الأعظم أولئك الذين صدقوا الله تعالى في السير إليه وبذل الوجود وأولئك هم المتقون عن الشرك المنزهون عن سائر الرذائل يأأيها الذين آمنوا شروع في بيان بعض الأحكام الشرعية على وجه التلاقي لما فرط من المخلين بما تقدم من قواعد الدين التي يبنى عليها أمر المعاش والمعاد كتب عليكم أي فرض وألزم عند مطالبة صاحب الحق فلا يضر فيه قدرة الولي على العفو فإن الوجوب إنما أعتبر بالنسبة إلى الحكام أو القاتلين وأصل الكتابة الخط ثم كنى به عن الإلزام