لما فيه من الأمور المحتاجة إليه و الصفا في الأصل الحجر الأملس مأخوذ من صفا يصفو إذا خلص واحده صفاةكحصى وحصاة ونوى ونواةوقيل : إن الصفا واحد قال المبرد وهو كل حجر لايخالطه غيره من طين أو تربا وأصله من الواو لأنك تقول في تثنيته صفوان ولا يجوز إمالته والمروة في الأصل الحجر الأبيض اللين والمرو لغة فيه وقيل : هو جمع مثل تمرة وتمر ثم صارا في العرف علمين لموضعين معروفين بمكة للغلبة واللام لازمة فيهما وقيل : سمى الصفا لأنه جلس عليه آدم صفى الله تعالى وسمى المروة لأنه جلست عليه أمرأته حواء والشعائر جمع شعيرة أو شعارة وهي العلامة والمراد بهما أعلام المتعبدات أو العبادات الحجية وقيل : المعنى إن الطواف بين هذين الجبلين من علامات دين الله تعالى أو أنهما من المواضع التي يقام فيها دينه أو من علاماته التي تعبد بالسعي بينهما لا من علامات الجاهلية فمن حج البيت أو أعتمر الحج لغة القصد مطلقا أو إلى معظم وقيده بعضهم بكونه على وجه التكرار والعمرةالزيارة أخذا من العمارة كأن الزائر يعمر المكان بزيارته فغلبا شرعا على المقصد المتعلق بالبيت وزيارته على الوجهين المخصوصين و البيت خارج من المفهوم والنسبة مأخوذة فيه فلا بد من ذكره فلا يرد أن البيت مأخوذ في مفهومهما فيكفي من حج أو أعتمر ولا حاجة إلى أن يتكلف بأنه مأخوذ في مفهوم الأسمين خارج عن مفهوم الفعلين وعلى تقدير أخذه في مفهومهما يعتبر التجريد ليظهر شرف البيت فلا جناح عليه أن يطوف بهما أي لا إثم عليه في أن يطوف وأصل الجناح الميل ومنه فإن جنحوا للسلم وسمى الأشم به لأنه ميل من الحق إلى الباطل وأصل يطوف يتطوف فأدغمت التاء في الطاء وسبب النزول ما صح عن إبن عباس رضي الله تعالى عنه أنه كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له أساف وعلى المروة صنم على صورة أمرأة تدعى نائلة زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا من دون الله تعالى فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين فأنزل الله تعالى هذه الآية ومنه يعلم دفع ما يتراءى إنه لا يتصور فائدة في نفي الجناح بعد إثبات أنهما من الشعائر بل ربما لا يتلازمان إذ أدنى مراتب الأول الندب وغاية الثاني الإباحة وقد وقع الإجماع على مشروعية الطواف بينهما في الحج والعمرة لدلالة نفي الجناح عليه قطعا لكنهم أختلفوا في الوجوب فروى عن أحمد أنه سنةوبه قال أنس وإبن عباس وإبن الزبيرلأن نفي الجناح يدل على الجواز والمتبادر منه عدم اللزوم كما في قوله تعالى : فلا جناح عليهما أن يتراجعا وليس مباحا بالإتفاق ولقوله تعالى : من شعائر الله فيكون مندوبا وضعف بأن نفي الجناح وإن دل على الجواز المتبادر منهعدم اللزوم إلا أنه يجامع الوجوب فلا يدفعه ولا ينفيهوالمقصود ذلكفلعل ههنا دليلا يدل على الوجوب كما في قوله تعالى : لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة ولعل هذا كقولك لمن عليه صلاة الظهر مثلا وظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل عن ذلك : لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت فإنه جواب صحيح ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر وعن الشافعي ومالك إنه ركن وهو رواية عن الإمام أحمد وأحتجوا بما أخرج البطراني عن إبن عباس قال : سئل رسول الله فقال : إن الله تعالى كتب عليكم السعي فأسعوا ومذهب إمامنا أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه واجب يجبر بالدم لأن الآية لاتدل إلا على نفي الإثم المستلزم للجواز والركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد والحديث إنما يفيد