بالباء وفعل ذلك إعتناء بما تقدم وما بعضهم بتابع قبلة بعض أي أن اليهود لا تتبع قبلة النصارى ولا النصارى تتبع قبلة اليهود ما داموا باقين على اليهودية والنصرانية وفي ذلك بيان لتصلبهم في الهوى وعنادهم بأن هذه المخالفة والعناد لا يختص بك بل حالهم فيما بينهم أيضا كذلك والجملة عطف على ما تقدم مؤكدة لأمر القبلة ببيان أن إنكارهم ذلك ناشيء عن فرط العناد وتسلية للرسول ولئن أتبعت أهوآءهم أي على سبيل الفرض وإلا فلا معنى لإستعمال أن الموضوعة للمعاني المحتملة بعد تحقق الإنتفاء فيما سبق والمقصود بهذا الفرض ذكر مثال لإتباع الهوى وذكر قبحه من غير نظر إلى خصوصية المتبع والمتبع .
من بعد ما جاءك من العلم أي المعلوم الذي أوحى إليك بقرينة إسناد المجيء إليه والمراد بعد ما بان لك الحق أنك إذا لمن الظالمين 541 أي المرتكبين الظلم الفاحش وهذه الجملة أيضا تقرير لأمر القبلة وفيها وجوه من التأكيد والمبالغة وهي القسم واللام الموطئة له وإن الفرضية وأن التحقيقية واللام في حيزها وتعريف الظالمين والجملة الأسمية وإذا الجزائية وإيثار من الظالمين علىظالم أو الظالملإفادته أنه مقرر محقق وانه معدود في زمرتهم عريق فيهم وإيقاععلى ما سماه هوى أي لا يعضده برهان ولا نزل في شأنه بيان والإجمال والتفصيل وجعل الجائي نفس العلم وعد أيضا من ذلك عده واحدا من الظالمين مغمورا فيهم غير متعين كتعينهم فيما بين المسلمين فإن فيه مبالغة عظيمة للأشعار بالإنتقال من مرتبة العدل إلى الظلم ومن مرتبة التعين والسيادة المطلقة إلى السفالة والمجهولية ولو جعل كنت في كنت عليها بمعنى صرت لكان أعلى كعبا في الإفادة وأنت تعلم أن التركيب يقتضي المبالغة في الإستعمال لا المجهولية ولو أقتضاها فيه لكان العد معدودا في عداد المقبول وفي هذه المبالغات تعظيم لأمر الحق وتحريض على إقتفائه وتحذير عن متابعة الهوى وإستعظام لصدور الذنب عن الأنبياء وذو المرتبة الرفيعة إلى تجديد الإنذار عليه أحوج حفظا لمرتبته وصيانة لمكانته فلا حاجة إلى القول بأن الخطاب للنبي والمعنى به غيره .
ألذين آتيناهم الكتاب يعرفونه مبتدأ وخبر والمراد بهم العلماء لأن العرفان لهم حقيقة ولذا وضع المظهر موضع المضمر ولأن أوتوا يستعمل فيمن لم يكن له قبول و آتينا أكثر ما جاء فيمن له ذلك وجوز أن يكون الموصول بدلا من الموصول الأول أو من الظالمين فتكون الجملة حالا من الكتاب أو من الموصول ويجوز أن يكون نصبا بأعنى أو رفعا على تقديرهم وضمير يعرفونه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن لم يسبق ذكره لدلالة قوله تعالى : كما يعرفونه أبناءهم عليه فإن تشبيه معرفته بمعرفةالأبناء دليل على أنه المراد وقيل : المرجع مذكور فيما سبق صريحا بطريق الخطاب فلا حاجة إلى إعتبار التقديم المعنوي غاية الأمر أن يكون ههنا إلتفات إلى الغيبة للإيذان بأن المراد ليس معرفتهم له E من حيث ذاته ونسبه الزاهر بل من حيث كونه مسطورا في الكتاب منعوتا فيه بالنعوت التي تستلزم إفحامهم ومن جملتها أنه يصلي إلى القبلتين كأنه قال : الذين آتيناهم الكتاب يعرفون من وصفناه فيه وأجيب بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وإن خوطب في الكلام الذي في شأن القبلة مرارا لكنه لا يحسن إرجاع الضمير إليه لأه هذه الجملة إعتراضية مستطردة بعد ذكر أمر القبلة وظهورها عند أهل الكتاب بجامع المعرفة الجلية مع الطعن ولذا لم تعطف فلو رجع الضمير إلى المذكور لأوهم نوع إتصال ولم يحسن ذلك